للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أدرك بعض المعاصرين أن قتل أبي الطيب إخفار لذمة عضد الدولة فأنشأ أبياتاً يحرضه فيها على عقاب من أخفروا ذمته

سار الشاعر بمراكبه وأحماله وغلمانه حتى بلغ الأهواز وبين الأهواز وشيراز واحد وخمسون فرسخاً. ثم سار خمسين فرسخاً حتى بلغ واسط. وهنا نقف لنعرض على القارئ روايتين: الأولى مروية في الصبح المنبي عن الخالديين قالا:

(كنا قد كتبنا إلى أبي نصر محمد الجبلي نسأله عما صدر لأبي الطيب المتنبي بعد مفارقته عضد الدولة وكيف قتل - وأبو نصر هذا من وجوه الناس في تلك الناحية وله فضل وأدب جزل وحرمة وجاه - فأجابنا عن كتابنا جواباً طويلاً يقول في أثنائه: (وأما ما سألتما عنه من خبر مقتل أبي الطيب فأنا أسوقه وأشرحه شرحاً بيناً) وفي هذا الشرح يذكر أبو نصر قتل أبي الطيب وسببه. ثم يبين تربص فاتك الأسدي في طريق الشاعر وعزمه على قتله فيقول:

(وأما شرح الخبر فان فاتكا هذا صديق لي. وهو كما سمي فاتك لسفكه الدماء وإقدامه على الأهوال في مواقف القتال. فلما سمع الشعر الذي هجا به ضبة اشتد غضبه. ورجع على ضبة باللوم وقال له كان يجب ألا تجعل لشاعر عليك سبيلاً. وأضمر غير ما أظهر)

واتصل به انصراف المتنبي من فارس وتوجهه إلى العراق. وعلم أن اجتيازه بجبل دير العاقول. فلم يكن ينزل عن فرسه ومعه جماعة من بني عمه رأيهم في المتنبي مثل رأيه من طلبه واستعلام خبره من كل صادر ووارد

وكان فاتك خائفاً أن يفوته. وكان كثير ما ينزل عندي. فقلت له يوماً وقد جاءني وهو يسأل قوماً مجتازين عن المتنبي فقلت له أكثرت المسألة عن هذا الرجل. فأي شيء رجل تريد منه إذا لقيته؟ فقال ما أريد إلا الجميل وعذله على هجاء ضبة. فقلت له هذا لا يليق بأخلاقك. فتضاحك ثم قال: يا أبا نصر والله إن اكتحلت عيني به أو جمعتني وإياه بقمة لأسفكن دمه، ولأمحقن حياته. قلت له كف عافاك الله عن هذا القول، وأزل هذا الرأي من قلبك فان الرجل شهير الاسم، بعيد الصيت. ولا يحسبن منك قتله على شعر قاله. وقد هجت الشعراء الملوك في الجاهلية والخلفاء في الإسلام. فما سمعنا بشاعر قتل بهجائه. وقد قال الشاعر:

<<  <  ج:
ص:  >  >>