هجوت زهيراً ثم إني مدحته ... ومازالت الأشراف تهجى وتمدح
ولم يبلغ جرمه ما يوجب قتله. فقال يفعل الله ما يشاء وانصرف
ولم يمض لهذا القول غير ثلاثة أيام حتى وافاني المتنبي ومعه بغال موقرة بكل شيء من الذهب والطيب والتجملات النفيسة والكتب الثمينة والآلات. لأنه كان إذا سافر لم يخلف في منزله درهماً ولا شيئاً يساويه. وكان أكثر إشفاقه على دفاتره لأنه كان قد انتخبها وأحكمها قراءة وتصحيحاً)
قال أبو نصر (فتلقيته وأنزلته داري، وسألته عن أخباره وعمن لقي. فعرفني من ذلك ما سررت له وأقبل يصف ابن العميد وعلمه وكرمه وكرم عضد الدولة ورغبته في الأدب وميله إلى أهله
فلما أمسينا قلت يا أبا الطيب على أي شيء أنت مجمع؟ قال على أن أتخذ الليل مركباً فإن السير فيه يخف علي. فقلت هذا هو الصواب رجاء أن يخفيه الليل ولا يصبح إلا وقد قطع بلداً بعيداً. وقلت له والرأي أن يكون معك من رجالة هذه البلدة الذين يعرفون هذه المواضع المخيفة جماعة يمشون بين يديك إلى بغداد. فقطب وجهه وقال لم قلت هذا القول؟ فقلت لتستأنس بهم، فقال أما والجراز في عنقي فما بي حاجة إلى مؤنس غيره. قلت الأمر إليك، والرأي في الذي أشرت عليك. فقال تلويحك ينبي عن تعريض، وتعريضك ينبي عن تصريح. فعرفني الأمر وبين لي الخطب. قلت إن الجاهل فاتكا الأسدي كان عندي منذ ثلاثة أيام وهو غير راض عنك لأنك هجوت ابن أخته ضبة. وقد تكلم بأشياء توجب الاحتراز والتيقظ، ومعه أيضاً نحو العشرين من بني عمه قولهم مثل قوله. فقال غلام أبي الطيب وكان عاقلاً: الصواب ما رآه أبو نصر. خذ معك عشرين رجلاً يسيرون بين يديك إلى بغداد. فاغتاظ وشتمه شتما قبيحاً. وقال والله لا أرضى أن يتحدث عني الناس بأني سرت في خفارة أحد غير سيفي. قال أبو نصر فقلت يا هذا أنا أوجه قوماً من قبلي يسيرون بمسيرك وهم في خفارتك. فقال والله لا فعلت شيئاً من هذا
ثم قال: يا أبا نصر! بخرء الطير تخوفني ومن عبيد العصا تخاف علي؟ والله لو أن مخصرتي هذه ملقاة على شاطئ الفرات وبنو أسد معطشون بخمس وقد نظروا إلى الماء كبطون الحيات ما جسر لهم خف ولا ظلف أن يرده. معاذ الله أن أشغل فكري بهم لحظة