للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التاريخ في سير أبطاله]

٢ - ميرابو

ميرابو. . . تلك الأعجوبة!

جوته

للأستاذ محمود الخفيف

وكان الملك قد أخذ بنصيحة نكر حين اشتدت الضائقة المالية فأجاب الشعب إلى دعوة مجلس طبقات الأمة إلى الاجتماع وهو مجلس قديم شهدت فرنسا آخر اجتماع له عام ١٦١٤، وقد حدد لاجتماعه اليوم الخامس من شهر مايو سنة ١٧٨٩، وكان الغرض من اجتماعه، مشاورة نواب البلاد في مخرج من الأزمة المالية

ولكن هل كانت الضائقة المالية كل ما يشكو منه الشعب؟ كلا؛ إن فرنسا إذا أردنا الواقع كانت على أبواب عصر جديد، بل إن تاريخ العالم كان في مستهل فصل جديد! فما كانت الثورة مهما اختلفت مظاهرها إلا أوبة الشعب من غمر القرون أو من مجاهل النسيان، كانت حركة لا محيص عنها، حركة أدى إليها تطور الزمن على وجه معين بحيث لم تكن الأيام لتلد غيرها

هاهو ذا الأفق الباسم تنشق جوانبه عن جبين الصباح بعد ليل طال واشتدت حلكته، ولكن ما تلك الخطوط الحمراء التي يراها ميرابو ويوجس في نفسه خيفة منها؟! إنه يرى فيها نذير الشر والفزع الأكبر. ياله من رجل عجيب! إنه يتشاءم والقوم متفائلون؛ إنه يرى ما لا يرون، ولكن لينتظر ما تأتي به الأيام!

الشعب مبتهج يبسم له الأمل ابتسام الربيع من حوله، أنظر إليه غداة افتتاح المجلس في طريق نوابه تكاد تنشق حناجره وتدمى أكفه من كثرة ما يهتف وما يصفق. يا لله! ما له يطرق في وجوم كلما مر به أحد السادة من النبلاء أو القساوسة؟ هل آن لتلك الجموع أن تفرض سلطانها وتجير القوم على الاعتراف بها؟ من ذلك الرجل العابس المهيب الذي تتناقل الألسن اسمه وتتدافع الجموع لرؤيته؟ أنه بعينه نائب اكس الكنت ميرابو!

اتخذ ميرابو كرسيه وسط العامة، وقد تهامس الأشراف عند دخوله المجلس وتخاطبوا بالأحداق، على أنه كان يزدريهم أكثر مما يزدرونه، ويمقت في أشخاصهم العهد القديم

<<  <  ج:
ص:  >  >>