للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ونظمه وتقاليده

ودخل الملك القاعة في حاشيته التي تجلى فيها ترفع الملكية واستكبارها، وألقى على النواب خطابا ارتاحوا إلى ما جاء فيه من أماني، وهتفوا لما تضمنه من عبارات العطف، ثم قام نكر فأكدَّ رؤوس سامعيه بخطاب طويل نصفه أرقام!

تبع الأشراف والقساوسة الملك إلى خارج القاعة وبقى العامة في أماكنهم وبينهم ميرابو يشيع الملك ووزيره بنظرات المقت والسخط. ولقد رأى النواب في ملامح وجهه إمارات الغضب، وفسرها الأشراف بأنها مظاهر الحقد الدفين والغل الشخصي

ولكن ميرابو أصبح اليوم غيره بالأمس فلقد ودع حياة السفه والتمرد، وأصبح السياسي المتزن المهيب الجانب، الذي يتوقف مصير الحوادث على ما يصدر عنه من قول أو فعل

إنه لا يطمئن إلى المستقبل ويرى الأمور تنذر بالكارثة ما لم تعالج بالحكمة. ولقد درس نفسية الشعب خارج المجلس وعرف أن له أطماعا لابد من تحقيقها. لم يكن الناس ليرضوا أن تؤخذ الأصوات في المجلس باعتبار الطبقة فيفوز الممتازون، ولا يكون لمساواة العامة إياهم في العدد أية قيمة. وكان الشعب ونواب الشعب يلحون في أن يكون التصويت باعتبار الرؤوس. كذلك كان الشعب يطمع أن يكون للمجلس مكان مستديم في النظام الحكومي، ويكون لما يصدر من آراء أثر في سياسة الدولة. وكان ميرابو يسعى جهده في أن تعلن الحكومة موافقتها على ذلك في أولى جلساته خشية أن ترغم على ذلك فيما بعد فيؤثر ذلك أسوأ الأثر في مجرى الحوادث، ولكن الحكومة أغفلت الأمر، فكان محقاً في حنقه وتبرمه

كان يفطن ميرابو أكثر مما يفطن غيره إلى انبعاث الشعب واحتضار الملكية. وكان يرى الملكية وقد أثقلتها تقاليد الماضي تكاد تسقط من الإعياء، حتى لقد قيل عن لويس السادس عشر إنه ورث عن آبائه الثورة والعرش معاً! ولقد كان هذا الملك المسكين يهرول تارة ليدرك الزمن فتنقطع به الأسباب، ثم يكلف الأيام ضد طباعها حيناً فتسخر منه الأيام! وكان ميرابو يرى بنافذ بصره أن سلامة الملكية وسلامة الوطن كلتاهما تتوقف على التوفيق بين الملك والشعب، ولا سبيل لنجاح الثورة غير هذا السبيل

أرسل إلى نكر يقول له: (صدقني أيها الوزير أن مصير الملكية في فرنسا متوقف على ما

<<  <  ج:
ص:  >  >>