للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سيكون من أمر هذا المجلس، وخير لك ولهذا البلد المسكين أن تواجه المجلس بما يحقق أماني الشعب)

ولقد أعد ملتمسا ليتقدم به إلى الملك في الجلسة الأولى؛ ويقال إن الملك بادر إلى الخروج عقب انتهاء الاجتماع لما علم من عزم ميرابو. ومما جاء في هذا الملتمس: (أضف إلى مآثرك أيها الأمير المعظم إجابة الشعب إلى رغبته يبق الصولجان في يدك، فإنني أخشى إن رفضت أن يشهر في وجهك.)

يا لهذا الرجل من بطل! كيف ينقلب سلوكه هذا الانقلاب المدهش؟ إن المرء ليلمس أهم ناحية من نواحي عظمته في ذلك التحول، وما عرف التاريخ قبله رجلا درج من مثل ماضيه فوصل إلى مثل ما أتيح له من مجد وعظمة وكمال سياسي

كان منطق الحوادث يقضي بأن يرى ميرابو في الثورة فرصة لشهواته ومرتعاً لمآربه، فيصبح في غمرتها الرجل الأحمق الذي يهدم ولا يعرف غير الهدم، ويبطش ولا يستطيع أن ينهض لغير البطش. ولكنه ما عرف الهدم، وما كان رائده سوى البناء كأحسن ما يكون البناء! وذلك لعمري من عجائب الأيام! ولكنه سر العبقرية

أجل! لقد جد الزمان فأثار جلال الموقف كامن مواهبه، ولامس موضع العظمة من قلبه، ورأى في الثورة حادثاً نبه نفسه إلى حقيقتها، أو قل إنه وجدها كفؤا له كما وجد نفسه كفؤا لها

وسنرى أن جهاده منذ اليوم سيكون شاقاً مريراً، فإن من يعنيهم أمر الوطن من الوزراء ورجال الدولة من أمره في ريبة، لا يأمنون أن يتخذ من حرج الأمور وسيلة إلى أغراضه الخاصة كما كانوا يزعمون، بله ما كانوا يضمرونه له من حقد وما كانوا يكنونه من حسد، حتى المستنيرين من معارفه ومقدري نبوغه لم يكونوا أقل من هؤلاء حذرا منه، وكانوا فوق ذلك يترفعون في صلف عن مدارسة رجل له مثل ذلك الماضي! مما كان يملأ قلبه غيضاً. والملك؟ أيستطيع أن يصل إليه وله من بطانته أسوأ حجاب؟

وهو لا يثق في نواب العامة، ويخاف أن يؤدي نزقهم وجهلهم إلى الكارثة. قال يصفهم ذات يوم: (أكثر من خمسمائة عضو لا يعرف الرجل منهم جاره! أتوا من جميع أنحاء المملكة، لا يجمعهم نظام، ولا يلم شملهم زعيم، ولن تجد بينهم ذا نفوذ، أو تتبين فيهم من يأخذ نفسه

<<  <  ج:
ص:  >  >>