بأي ميثاق من مواثيق الطاعة، وكلهم ميال إلى أن يُصغي إليه قبل أن يصغي هو إلى أحد. . .)
أرأيت موقفاً أشد من هذا الموقف حرجاً؟ ولكن هل كان حرج الموقف يعمي بصيرته عن سبيل الرشاد، أو يدفع السأم إلى قلبه؟ كلا فما خلق مثله إلا للشدائد، وما يظهر جلده أكثر ما يظهر إلا في الملمات. وهل كانت تستطيع السفينة أن لم تسير بلا ربان في مثل تلك الأنواء؟ ومَن ربانها إن لم يكن هو ربانها؟ لم تمض أيام حتى صار بين نواب العامة المقدم عليهم، يستقيمون على ما يرسم من طريقة وإن لم يعلنوا زعامته لهم، ويتجهون بأنظارهم إليه إن سدت في وجوههم المسالك وإن لم يظهروا له ما هو جدير به من عطف ومحبة، ولكنه كأخيل، لم يكن ليصده عن مصلحة وطنه ما ينال شخصه من إهانة، وفي ذلك من سر عظمة الرجل ما هو جدير بالإعجاب
وكان إلى جانبه الأب سيس، ينقل إلى نواب العامة ما يوحيه إليه، وكان هذا الرجل قد آثر صفهم على صفوف الأشراف كما فعل ميرابو من قبل؛ وكان لشخصه في قلوبهم مكانة قوامها الحب، إن لم يكن قوامها الإعجاب
أخذ الأشراف ورجال الدين يجتمعون كل طائفة في حجرتها، وعولوا على أن يكون إقرار المسائل باعتبار الطبقة؛ ولو طاوعهم العامة إلى ذلك لكان للثورة اليوم سيرة غير سيرتها. ولكن أنى للعامة أن يقروا على أنفسهم عملا يطوي بهم القرون إلى الوراء، وهم يتعجلون الزمن، ويودون لو يسبقونه إلى تحقيق الأمل الوليد؟ على أنهم ما كانوا يريدون بملكهم الطيب شرا حتى ذلك اليوم، ولكن شطط رجال البلاط وسوء تدبيرهم سيجعل من هذا المجلس هيئة تقلب نظام الحكم في فرنسا، بل وتدفع تاريخ البشر إلى طريق جديد
وما كان ميرابو ليرضى أن يطيع أصحاب الامتياز إلى غرضهم الشائن وإن كان يخشى أن يؤدي إحراج العامة وإعناتهم إلى التذمر فالهجوم، فيتدخل الملك وهو لا يريد أن يتدخل الملك إلا بما يرضي الشعب؛ هو لا يحب أن تبغي إحدى القوتين على الأخرى، ولذلك فهو يسعى ويواصل السعي، ويدعو ويكرر الدعوى إلى الأناة، حتى يصيخ له من صفوف العامة رجل رشيد لم يكن سوى سيس، وسرعان ما يأخذ العامة بنصيحته على لسان سيس، فيقفون من الأشراف موقفاً حكيما هو انتهاج السياسة السلبية، فيأبون أن ينتخبوا لهم هيئة