للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إلى الأستاذ الزيات]

آباؤنا وأمهاتنا وأبناؤنا

للدكتور زكي مبارك

بعد منتصف الليل من هذا المساء (٢٩٨٤٣) وسوس الهتاف

من جريدة الأهرام:

- ألو، ألو!

- خير، من المتكلم؟

- صالح البهنساوي، هل أزعجتك بالحديث في مثل هذا الوقت؟

- لم تزعجني، ويسرني أن أسمع صوتك، فما عندك من الأخبار؟

- عندنا خبر يقول: إن والدة الأستاذ الزيات ماتت، وأردنا أن نعرف منك مبلغ هذا الخبر من الصحة قبل أن ننشره في الوفيات

- لم أسمع هذا الخبر إلا منك، فلا موجب لنشره قبل التثبت ثم رجعت إلى نفسي أسأل عن مواساة الأصدقاء بعضهم لبعض، فقد كان يجب أن أكون أول من يعرف هذا الخبر إن كان صحيحاً، لأحضر دفن السيدة التي أنجبت هذا الصديق، ولأشترك في مواساته مع الأقربين

وحانت مني التفاته إلى الماضي يوم ماتت أمي، فقد طلبت بإلحاح أن تراني قبل أن تموت، وكان أبي يسوف لأنه يعرف أني أؤدي أول امتحان في الجامعة المصرية، وكانت النتيجة أن تدفن وأنا غائب، وأن تبقى الحسرة على أن لم أحمل نعشها على كتفي

هل كان أبي يعرف أن توديع أمي في لحظاتها الأخيرة أحب إلي من جميع المغانم العلمية؟

لو أنه عرف لأعفاني من لوعة سأعاني نيرانها إلى آخر أيامي

وقد لطف الله بأمي فماتت قبل أن يموت أخي سيد بنحو سنتين، فلن تشهد فجيعة الدار في موت فتى لم ينتصر عليه قاهر غير الموت

دخلت على أخي سيد وهو في الحشرجة فنهض من فراشه ليقبل يدي، ثم أسلم روحه إلى بارئ الأرواح

وكانت الفجيعة الأخيرة هي موت أبي، ولكنها فجيعة نفعتني أجزل النفع، فقد هونت الدنيا

<<  <  ج:
ص:  >  >>