في نظري حين صورتها بالصورة الحقيقية، صورة الصحراء التي لا تضمن لسكانها من الضراغم غير الفناء
وهل تعزيت عن أبي وقد طال الفراق؟
أريد أن أخفف لوعتي فأذكر أنه عاش ما عاش وهو يعتقد أنني أوفى الأبناء: فما راجعته في كلمة، ولا رفضت له نصيحة، ولا استجزت المخالفة عن أمره في شأن من الشؤون
كنت ابناً بارا بأبيه، وكان بري بأبي يتمثل في صورة لم تخف عليه، فقد سمعت أنه تحدث بها إلى بعض الأصدقاء، وهي أني أخفي عنه همومي وأحزاني، فما بات ليلة وهو مغموم بسببي، ولا وصل إليه حزن من طريقي، ولا عرف أن الأبناء قد يكدرون حياة الآباء
والحق أني كنت أراعي معنى هو غاية في الخفاء، ومراعاة هذا المعنى كانت أعظم عمل أديته في حياتي، فما ذلك المعنى الدقيق؟
كانت الأقدار قضت بأن تمزق أملاك جدي كل ممزق، فلا يبقى منها غير أوشال، وكان أبي آخر العنقود، فلم تكن له مندوحة من أن يجاهد ليستبقي ومضات من الذهب المضاع
كان أعمامي جبابرة وكانوا قساةً وطغاة، وكانوا أيضاً منجبين، فلا يمشي الرجل منهم إلا وهو موصول الجناح بأبناء أشداء، فماذا يملك أبي في مقاومة أعمامي؟
لقد ناضلهم وحاربهم، واستطاع أن يستخلص بضعة فدادين يعيش من ريعها عيش الكفاف، إلى أن يجود الله بالغنى حين يشاء
وكانت دار أبي هي الدار التي مات فيه جدي، لأن جدتي كانت آخر زوجاته الغاليات، وفي تلك الدار نشأت، فماذا رأيت؟
كنا نستيقظ على زلزال يتمثل في سقوط إحدى القاعات، فيخف إلينا الجار الأقرب وهو عمي الشيخ سيد أحمد وبيده فانوس ومعه أبناؤه ليعاونوا على رفع الأنقاض
كانت أخطر فاجعة تهون على أبي ما دامت بعيدة عني
هل أستطيع تأدية واجب الوفاء لأبي، ولو نظمت في رثائه ألف قصيد؟
وفي إحدى العصريات دخلت الدار فوجدت أمي تخرج وهي مذعورة، فماذا وقع؟
كانت أمي رأت ثعباناً في أبراج الحمام فغزته بالنار ليختنق، فامتدت النار إلى سقوف الدار فحولتها إلى نيران