وفي لحظة أو لحظتين بدت شهامة أهل سنتريس
لقد تجمعوا من كل جانب رجالاً ونساءً ليخمدوا تلك النيران بالماء والتراب
وماذا يملك أولئك الأوفياء؟
لم يكن في بلدنا غير آبار معدودات، فكان من الصعب إخماد نيران لا يخمدها غير البحر المحيط، وكانت العاقبة أن يحترق البيت من جميع الجوانب وأن يمسي بلا سقوف، مع قسوة الشتاء
ونظر أبي فرآني بعافية، فحمد الله وأثنى عليه، ثم جلس على مسطبة المضيفة وهو في غاية من الاطمئنان
وفي أعقاب السهرة الجياشة بكلمات المواساة سمعنا ضجيجاً يخطر في البال في مثل تلك الحال، فما ذلك الضجيج؟
رأينا جماعة العيسوية تغزو دارنا بركائب محملة بأقوات تكفينا عشرة سنين، فوقف أبي وقال: إن باب الدار لم يحترق، وسأغلقه إن لم ترجعوا مشكورين
كان مقام أبي في تلك الليلة مقاماً رهيباً، فقد أتت النيران على جميع الأشياء، وتركتنا بلا قوت، وإن لم أذكر أني نمت في تلك الليلة بلا عشاء
ما الذي كان يمنع من أن يقبل أبي مواساة أعمامي؟
منعه الخوف من أن يمن عليه أخ أو صديق في الأيام المقبلات
كان أعمامي كراماً برغم ما أرادت الأقدار في تحيف ما ورثوا من الثراء العريض، ولكن أبي رفض معروف اخوة سيحاربهم أو سيحاربونه بعد يوم أو يومين
تمثلت لي متاعب أبي في حياته حين شببت عن الطوق، فقررت إعفاءه من التعب إلى آخر الأيام من حياته الغالية
أردت أن أكون لأبي ابناً وأخاً وصديقاً فكنت، وقد محوت عن صدر أبي تلك السطور السود، سطور الشقاء بالأهل والأقرباء
هل عرف أبي أن له أبناً تمتحنه الحياة؟
لقد أخفيت همومي عن أبي فكانت تصل إليه وهي أساطير، وكان لا يتوهم أن كيد الدنيا يصل إلى من يكون في مثل عنفواني