نشرت مجلة (الرسالة) الغراء كلمة قصيرة تحت عنوان (محاولة قديمة جريئة في الفقه الإسلامي)؛ وقد ذكر في هذه الكلمة أن من الفرق الإسلامية من يعطي الإمام حق نسخ الأحكام، وأن الإمام أبا جعفر النحاس في كتابه (الناسخ والمنسوخ)؛ ولا شك أن ما تذهب إليه من تلك الفرقة - إن صح - هو الوسيلة الوحيدة لما يراد الآن من تطويع الفقه الإسلامي لمجاراة الظروف والأحوال، حتى لا يجد المسلمون في العمل به حرجاً في أي زمن من الأزمان؛ وقد قال الله تعالى:(وما جعل عليكم في الدين من حرج)؛ وقال أيضاً في بيان الغاية من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم:(ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم). فالدين الذي جاء لرفع ما كان في الأديان قبله من أغلال، لا يمكن أن يقر أغلالاً على أتباعه في أي زمن، لأن هذا لا يتفق مع غايته، ولا تتحقق معه تلك الميزة التي امتاز بها على الأديان قبله
وإنما كان ذلك هو الوسيلة الوحيدة لتطويع الفقه لمجاراة الظروف والأحوال، لأن ما يذهب إليه بعضهم في ذلك من جعل وظيفة الإسلام روحية بحتة، لا يتفق مع حقيقة هذا الدين، فقد جاء بعد أديان بعضها يغلب جانب الروح على المادة، وبعضها يغلب جانب المادة على الروح؛ فعمل على الموازنة بينهما، وجعل من غايته إعطاء كل منهما حقها، حتى لا تطغى إحداهما على الأخرى، ليتم بها نظام العمران، ويتلاءم الدين مع طبيعة الاجتماع البشري، لأن كل دين لا يتلاءم مع هذه الطبيعة، يكون غلا عليها، وتكون تكاليفه فوق طاقتها؛ وقد قال الله تعالى:(لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)
وكذلك ما ذهب إليه بعضهم من تقسيم التشريع الإسلامي إلى دائم ومؤقت؛ فهو لا يبقى أيضاً بتطويع الفقه الإسلامي لمجاراة الظروف والأحوال، لأن جعل التشريع المؤقت ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم بشخصية الإمام المجتهد، وجعل التشريع الدائم ما صدر عنه بشخصية الرسول المبلغ عن الوحي، ومن يدرس التشريع الإسلامي يعرف أنه من المتعذر تمييز ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم بهاتين الشخصيتين، ويرى أنه مع إقرار الوحي لأحكام الاجتهاد، لا يكون هناك فرقاً بينهما وبين الأحكام الصادرة عن