الوحي الصرف، وهذا إلى أن ما يراد الآن هو تطويع الفقه الإسلامي لمجاراة الظروف والأحوال ولو لم يكن مصدره شخصية الإمام المجتهد، حتى يكون تطويعاً شاملاً كاملاً، ولا يوجد فيه ما يعوق هذا الفقه عن مسايرة أي زمن؛ وهذا لا يمكن إلا بما تذهب إليه تلك الفرقة من إعطاء الإمام حق نسخ الأحكام؛ ولهذا قلنا: إنه هو الوسيلة الوحيدة لتطويع الفقه الإسلامي لمجاراة الظروف والأحوال
ونريد بعد هذا أن نبين أن الإمام أبا جعفر النحاس لم ينصف في عرض مذهب تلك الفرقة في إعطاء الإمام حق نسخ الأحكام لأنه لم يعن بالرد عليها، ولم يبين ما استندت عليه في إعطاء الإمام ذلك الحق، مع أن كل عاقل لا يمكن أن يصدر في أحكامه عن الهوى، بل لا بد له من سند قوي أو ضعيف يعتمد عليه في أحكامه، ويحمله على مخالفة غيره؛ وقد فاته أيضاً أن يبين كيف يستعمل الإمام هذا الحق عند تلك الفرقة؟ أيستعمله كما يشاء ويهوي، فيكون الحكم في ذلك للهوى المذموم ولمصلحة الإمام دون مصلحة الرعية؟ أم يستعجله للمصلحة العامة، ويحكم فيه بالاجتهاد منه ومن أهل الحل والعقد في الأمة؟ ولا بد أن هذه الفرقة لا تعطي الإمام حق نسخ الأحكام بحسب الهوى، فيكون عرضه لسوء استعماله، واستخدامه فيما يضر الرعية ولا ينفعها
وإذا كان الإمام أبو جعفر النحاس قد فاته بيان مستند تلك الفرقة، وجرى في ذلك على عادة فقهائنا في العمل على إماتة كل مذهب يخالف المذاهب المشهورة، حتى فقدنا بذلك ثروة فقهية لا يستهان بها، وكانت تنفعنا في كل أزمة تشريعية تحصل لنا، كالأزمة التشريعية التي نعانيها في عصرنا، إذا كان قد فاته ذلك فإنا نحاول أن نبين هنا ما يمكن أن يكون مستند تلك الفرقة فيما ذهبت إليه، بدون أن نحمل أنفسنا تبعة ما نسوقه ونحكيه، لأن من يحكي ما يمكن أن يكون مستند القول من الأقوال لا يصح في أدب المناظرة تحميله تبعته، وإنما هو كناقل لا يلزم إلا بتصحيح النقل
فمما يمكن أن يكون مستند تلك الفرقة أن الله تعالى ذكر في كتابه الكريم أنه شرع لنا من الدين ما وصى به نوحاً والأنبياء من بعده، فشريعة الله إذن واحدة لا تقبل التغيير والتبديل، وليس الإسلام في صميمه إلا تلك الشريعة الثابتة من عهد نوح، أما تلك الفروع التي تضاف إليها فإنها ليست من صميمها، ولهذا تخلف فيها الأنظار، وتقبل التغيير والتبديل