ومما يمكن أن يكون مستند تلك الفرقة أن الله تعالى ذكر تشريع النصارى للرهبنية بعد عيسى عليه السلام، فلم يدم تشريعها منهم، بل أقر ابتداعهم بقوله تعالى:(ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها) فلا بأس إذن في كل تشريع حسن بعد الأنبياء، والإسلام في ذلك مثل غيره من الأديان
ومما يمكن أن يكون مستند تلك الفرقة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى المسلمين حق التشريع بعده، وذلك بقوله:(ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن)، وبقوله أيضاً:(من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر فاعلها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر فاعلها إلى يوم القيامة)
ومنها أن أهل الصدر الأول لم يتحرجوا من التغيير والتبديل في الأحكام على ما اقتضته المصلحة العامة في عصرهم، فأبطل عمر التغريب في الزنا حين فرَّ بعض من غرَّبهم إلى بلاد الروم فتنصر، وقد طلب منه نصارى تغلب أن يجعل جزيتهم صدقة كالمسلمين على أن يدفعوا ضعفها له فقيل ذلك منهم، وكذلك زاد عثمان في أذان الجمعة حين كثر سكان المدينة في خلافته، واسقط معاوية حد السرقة عن قوم أشراف سرقوا في عهده، وقدم مروان بن الحكم خطبة العيد على صلاته حين رأى الناس ينصرفون بعد الصلاة ولا يجلسون للخطبة
فهذه كلها وجوه يمكن أستناد تلك الفرقة عليها، كما يمكن أيضاً ردَّها عليهم، ولو أن الأمام أبا جعفر ذكر ما تستند عليه لأغنانا عن تكلف تلك الوجوه، وقضى بذلك حق الإنصاف والتاريخ