فهم الشيء رؤيتُه في موضعه الحقيقي بين سائر الأشياء. ولا يقف العلم عند الجزئي أو عند الفرد إلا لكي يكشف عن القوانين التي تربط ذلك الجزئي أو ذلك الفرد بباقي العالم. ولكن إذا نظرنا إلى الأشياء من الناحية الجمالية، فإن كل شيء يبدو لنا كأنه كلٌّ متميز تام ومحدد، ونحن لا نتمتع بصورته إلا لأنها تمثل لنا شيئاً متميزاً له خصائص تعريفية خاصة. ولما كنا نحن - وحدنا - عاجزين عن خلق مثل تلك العورة، فإن الفن يسارع لمساعدتنا.
وتنتمي العاطفة العقلية إلى طائفة العواطف الوجدانية مثلها في كل ذلك مثل العاطفية الجمالية ولكن العاطفة الجمالية تتجلى فيها المشاركة الوجدانية أكثر مما يتجلى في العاطفة العقلية، لأن هذه الأخيرة تحددها علاقة الأشياء فيما بينها أكثر مما تتحدد بعلاقة الشيء الجزئي نفسه بماهيته الخاصة. كذلك تنتج العاطفة الجمالية مما نبحث عنه لنوحد به بيننا وبين الأشياء حياتها وندخل عنصر المخيلة في حياتنا الخاصة. وهناك لذة جمالية تنتج من استخدامنا لأعضائنا استخداماً حراً، أي أنها ترجع إلى اللعب الذي نقلد فيه أعمالاً يباشرها الإنسان بحكم العادة من أجل غايات هامة وعملية. ويمكن أن نسمى كل فن لعباً ما دام يقدم لنا صورة ما، أعني إنتاجاً مثالياً للحياة الواقعية كلها أو أجزاء منها.
وتتخذ العاطفة الجمالية في نموها وانتشارها مظهراً خلقياً هاماً، فحين تسيطر على الإنسان تجعله ينسى نفسه أمام قيمة الأشياء، فلا يعود يفكر في نفسه ذلك النوع من ذلك النوع من التفكير الأناني المبتذل. ويتضمن الجمال الحقيقي قوة تجبرنا على تذكره وإرادة رؤيته الأشياء ثانية الجميلة، مثل من ينظر إلى الأعمال الفنية أو أعمال الطبيعة من وجهة النظر الجمالية، يحس ميلاً نزيهاً نحوها (أي غير أناني) وفي نفس الوقت تتيقظ فيه قوى الحدس والانتباه والإنتاج قوية متسقة ويضاف إلى ذلك عنصر مثالي آخر.
عرف أرسطو التراجيديا بأنها تقليد حدث عظيم يثير الشفقة والخوف في الإنسان ويظهرهما. وما يقال عن التراجيديا يمكن أن يقال عن كل ألوان الفن المختلفة. فاللعب (وكذلك الصورة) يثير نفس ما يثيره الأحداث الواقعية التي يمثلها من عواطف، ولكن بشكل آخر تستخفي فيه العناصر المؤلمة والأنانية في تلك الأحداث. والحوادث الواقعية تفاجئنا وتقع مباغتة، فلا نتمكن من كشف ما بينها من الارتباط والاتصال، ولذا يبدو لنا