أنها تحدث بمقتضى الاتفاق والصدفة فقط، وهذا هو السبب في أنها تقدم لنا أشكالاً متعددة ومختلفة تثير عواطف متعددة ومختلفة. ولكن الأمر على عكس ذلك في الغد؛ فكل شيء هنا له غرض معين هو إثارة انفعال كلي واحد يتناسب مع خطوط الشيء أو الحدث الضرورية والتعريفية المميزة. ويستخرج الفن سماته الضرورية من صورة الشيء الفردية دون أن يذهب إليها، وبذلك نتخلص من التنافر ونستقبل تأثيراً واحداً معيناً، فيكون من السهل أن نندمج ونتوحد بعواطفنا في الشيء الممثل، وهذا هو سبب أن الإنتاج الفني يجعلنا نفهم الأشياء فهماً أحسن، وإن كان لا يقدم لنا طبعاً شرحاً علمياً. ولكن إذا كانت التراجيديا تثير الشفقة والخوف وتظهرهما، فإن الكوميديا تطهر عاطفة القوة والعاطفة الشخصية؛ وما تثيره من ضحك ليس في الحقيقة تهكماً أو استهزاء، ولكنه عاطفة تحرر وخلاص، تأتي من رؤيتنا الصغائر والدنايا والمتناقضات والشرور ظاهرة عارية ساخرة، على معرفتنا في نفس الوقت أنها جزء من الحياة
وقد بحث كثيرون في علاقة الجمال بالأخلاق، وإلى أي حد يتفق العمل الجمالي أو الظاهرة الجمالية مع مطالب الأخلاق، وتساءلوا هل الصور والنقوش المحسوسة وغيرها جائزة ومباحة ولا تتعارض مع الأخلاق أم لا؟ وفي الحقيقة ليس هناك محل لمثل هذا التساؤل؛ ففيما يختص بمادة العرض وشكله لا يوجد أي اختلاف أو تنافر بين ما يقتضيه الجمال في الواقع وما تسمح به الأخلاق، فكل ما له قيمة جمالية لا بد أن يكون متفقاً مع التعاليم الأخلاقية. وفي صلة الفن بالبيداجوجيا نجد أنه لا يمكن السماح بوضع كل قصيدة، ولا أي قصيدة، بين أيدي الأطفال فيتداولونها فيما بينهم. ولكن ذلك لا يتصل بالقيمة الجمالية ولا يحط منها، فإن الذي تهيج نزعاته الحسية أو الشهوية من اثر نقش مثلاً إنما يحدث له ذلك لأنه لم ينظر إليه من الناحية الجمالية فلم يتطهر ميله وهواه، بل جاء الأمر على العكس وهاجاً بشدة وذلك الشاب الذي يحدثنا عن لوسيان أنه أغلق على نفسه معبد أفروديت وقضى فيه ليلة يعتنق تمثالها، لم تدفعه إلى ذلك في الواقع العاطفة الجمالية بل شيء آخر
وعليه، إذا كان الفن يعني حياة مثالية، فإن القيمة الفنية يجب أن تطابق القيمة وتناسبها. وبالتالي قيمة العمل الفني لا ترتكز فقط على النبوغ أو العبقرية، بل على الحياة التي يمثلها كذلك. ويجب على الفنان القيمي أن يصارع في سبيل سيادة وجهة نظره نحو الأشياء حتى