من الأساطير التي سمعناها في الصغر وبقيت في غضون الذاكرة، وبعض ئناياها أن رجلا اعتدى عليه عفريت من الجن بمثل ما كان يعتدي به الجن على البشر فبرز الرجل بكل ما أوتي من حول وطول وبكل ما قدر عليه من سلاح وشكة ليقتله.
هجم الرجل على العفريت بكل سلاح ماض ولم يدع في القوس مزعا لكنه لم ينكأ عدوه ولم يصب منه مقتلا.
ومازال الرجل يعيد الكرة بعد الكرة ويجرب سلاحاً بعد سلاح والعفريت ساخر منه غير محتفل به كأنه من نفسه على أمان، ومن سهام الرجل وهجماته في حصن حصين.
حار الرجل في أمره وأعياه أمر العفريت وكاد يقطع من قتله الرجاء إذ أخبره أحد العقلاء أن روح هذا العفريت في حوصلة ببغاء وهذه الببغاء في قفص من حديد، وهذا القفص معلق في غصن شجرة، وهذه الشجرة في غباة كثيفة يسكنها سباع ضارية وحيات فاتكة، وعقارب سامة، ودونها خرط القتاد، وحولها شم الجبال.
ومازال الرجل يطلع جبلا بعد جبل، ويقطع وادياً بعد واد ويقتل وحشياً بعد وحش، حتى خلص إلى هذا القفص وخنق هذه الببغاء، ولم يكد يقتلها حتى حدثت رجة عظيمة دارت بها الأرض والفضاء، وأظلمت بها آفاق السماء، وصاح العفريت صيحته الأخيرة وكان جثة هامدة. . وهكذا قتل الرجل عدوه بعد ما لقى منه عرق القربة.
لعلك سمعت هذه الأسطورة من عجوز في البيت تحكيها لأحفادها أو أسباطها فمررت بها مستهزئاً وقلت:
حديث خرافة يا أم عمرو!
نعم إنها لحديث خرافة وأسطورة من أساطير الأولين، ولكنها تفيدنا بأن كل حي له مقتل ووريد ولا يؤثر فيه عدو حتى يصيبه في مقتله ويقطع منه الوريد، وأن دون ذلك المقتل وحول هذا الوريد حواجز وحصوناً.
وقد تسلط على الأمة الإسلامية عفريت من الحياة الجاهلية واعتدى عليها بصنوف من الخبال وضروب من الأذى والوبال ظهرت في كثير من أخلاقها وأفعالها كاستخفاف بأحكام