الشرع وتجرؤ على المعاصي؛ ووقوع في محارم الله، واستعباد لعباد الله وإمعان في الشهوات، وإسراف في سبيل المتع واللذات، وتهافت على الخسائس والرذائل، وفرار من مكارم الأخلاق والفضائل (وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا، وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا).
والناس طبقات:(عامة) و (أوساط) و (عظماء).
فأما العامة فمساكين تدور حولهم رحى الحياة بسرعة لا يرفعون فيها إلى الدين والسعادة الأخروية والاستعداد للموت رأساً، وإنما همهم أن يؤدوا ضرائبهم، ويجمعوا لأيام فراغهم، ويكسوا عيلالهم فهم يكدحون في الحياة كدح الحمير والثيران لا يتبعون إلا للراحة الموهومة، ولا يستريحون إلا للتعب الواقع، فهم من البيت إلى الدكان، ومن الفراش إلى المصنع أو السوق أو الإدارة، ومن نصب إلى نصب، ومن هم إلى هم، لا تنتهي همومهم ولا تنقضي متاعبهم، حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها.
وأما الأوساط فهم أسوأ منهم حالاً وأكدر منهم بالاً، عذبهم الله بالحرص والجشع، ينظرون دائماً إلى من فوقهم، ولا ينظرون أبداً إلى من دونهم، فهم في هم متواصل وأحزان متسلسلة وشقاء مستمر وتدمر جبار وشكوى قائمة وأنين باق، يجرون في رهان لا ينتهي، ويسابقون جياداً لا تكل ولا تسبق، لا يزال قصب السبق بعيداً كلما انتهوا إلى غاية أخرى فجروا وراءها وهي تبتعد عنهم كما يبتعد الأفق من الطفل الذي يحاول دركه وشعاع الشمس الذي يريد قبضه، وهكذا يتفلت منهم (المثل الأعلى) في الغنى والثروة والرخاء والجاه، فيموت الواحد منهم كئيباً منكسراً لم يستعد ليوم الجد ولم يأخذ لنفسه عدتها، ويأتيه الموت فيقول (رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين)
وأما العظماء من الملوك وأبناء الملوك والأمراء فإنهم يريدون أن يلتهموا الدنيا طولا وعرضاً، وينّهبوا المسرات جرياً وركضاً لا يشفى غليلهم ولا يروى غليلهم وهم من دقائق الراحة إلى دقائق، ومن بدائع إلى بدائع، ومن ابتكار إلى ابتكار، ومن لذيذ في الطعام والشراب إلى ألذ، ومن حديث من مستحدثات المراكب والقصور والأزياء إلى أحدث، لا تكفيهم في ذلك موارد قطر بأسره، ومنابع ثروة أمة بطولها، حتى يلجئوا إلى استقراض وتجارات وضرائب جديدة وإتاوات ولا يبالون في سبيل ذلك أن يرهنوا بأيدي عدوهم رداء