للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الزهراء أو كساء أبي ذر أو شملة أو يس أو مصحف عثمان أو صمصامة عمرو بن معدي كرب أو رمح الزبير أو بردة كعب بن زهير ويهيئوا صبوحاً أو غبوقا.

وقد هجم على عفريت الجاهلية جيش من المصلحين فصاحوا به من كل جانب ورموه عن قوس واحدة ولكن لم ينكأوا عدوهم ولم يصيبوا منه مقتلا.

ألقى الوعاظ والأمرون بالمعروف والناهون عن المنكر دروساً في الأخلاق وأحاديث في الترغيب والترهيب، وطمعوا الناس في الجنة وحذروهم من النار وبشروهم بالوعد وخوفوهم من الوعيد فسمع الناس كل ذلك في هدوء، ولم يحرك منهم ساكناً ولم يغير منهم خلقاً.

ألف المؤلفون كتباً جاءوا فيها بكل رقيق، أوردوا فيها حكايات زهد العمرين، وتقشف علي بن أبي طالب، ومواعظ الحسن البصري، وكلمات ذي النون المصري، ورقائق الفضيل بن عياض، وزهديات أبي العتاهية، وفصاحة الواعظ ابن الجوزي وتحليل الإمام الغزالي.

قوارع تبرى العظم من كلم مض

فقام الأغنياء والأمراء والملوك فاقتنوا هذه الكتب وزينوا بها مكاتبهم وتحدثوا عنها إلى ندمائهم وزائريهم في لباقة ورشاقة ولكن لم تنفذ سهامها من العيون إلى القلوب ولم تجاوز أحاديثها تراقيهم.

قام الخطباء البارعون فألقوا خطباً أسمعت الصم واستنزلت العصم فسمعها هؤلاء وأثنواعلى براعتهم وفصاحتهم ومضوا لسبيلهم لم يبكوا على زلة ولم يقلعوا عن سيئة ولم يحدثوا لله عهداً.

لقد كان والله أقل من هذا يهز القلوب في الجوانح ويستفرغ الدموع من الشئون ويرجف القصور ويقلب عروش الملوك، ويجعل من أبناء السلاطين والأمراء مثل ابن أدهم وشقيق البلخي، يسمع أحدهم - وهو خارج في قنص أو رائح في لهو - قارئاً يقرأ: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق) الآية فيقول والله لقد آن، والله لقد آن، ويرمي آلات اللهو ويخرج من أبهة الملوك وحشمة السلاطين إلى تبذل الفقراء وتقشف الزهاد.

فهل فقدت الألفاظ على تعاقب الأيام معانيها، أم اعتلت الأذواق أم استعجمت اللغات أم ماذا؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>