للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٣ - محاولات أفلاطون]

معذرة سقراط

ترجمة الأستاذ زكي نجيب محمود

- لعلك يا صديقي مليتس تريد أناكسجوراس بهذا الاتهام. ويظهر أنك تسيء الظن بالقضاة، فتحسبهم بلغوا من الجهالة حداً لا يعرفون معه أن تلك آراء مسطورة في كتب أناكسوجراس الكلازوميني، وهي مليئة بمثلها. وتلك التعاليم هي التي يقال أن سقراط قد أوحى بها إلى الشبان، والواقع أنهم عرفوها من المسرح الذي كثيراً ما يعرضها، وأجر المسرح لا يزيد على دراخمة واحدة، ففي مقدور الناس جميعاً أن يشهدوها بهذا الأجر الزهيد، ثم يهزئون من سقراط كلما نسب إلى نفسه تلك الأعاجيب، ولكن حدثني يا مليتس، أفتظن حقاً أني لا أومن باله ما؟

- أقسم بزفس أنك لا تؤمن بكائن من كان

- أنت كاذب يا مليتس، ولا تستطيع أنت نفسك أن تصدق هذا القول، ولست أشك أيها الأثينيون في أن مليتس هذا مستهتر وقح، كتب هذه الدعوى بروح من الحقد والطيش والغرور، ألم يبتكر هذه الألعوبة ابتكاراً ليقدمني بها إلى المحاكمة؟ كأنما قال لنفسه: سأرى هل يستطيع هذا الحكيم سقراط أن يكشف عن هذا التناقض المحبوك، أم أني خادعه كما سأخدع بقية الناس؟ فهو كما أرى يناقض نفسه بنفسه في الدعوى فكأنه يقول قد أجرم سقراط لأنه كافر بالآلهة، ولأنه مؤمن بهم، وتلك مهزلة ولا ريب

أيها الأثينيون! أنه متناقض لا تستقيم روايته، وأحب أن نتعاون جميعاً على تحقيقها، وعليك يا مليتس أن تجيب - وأعيد الرجاء ألا تقاطعوني إذا تكلمت بأسلوبي المعهود -

يا ملتيس! هل جاز لإنسان مرة أن يعتقد بوجود ما يتصل بالبشر من أشياء، دون أن يعتقد بوجود البشر أنفسهم؟ أني أحب منهم - أيها الأثينيون - أن يجيب، وألا يعمد دائماً إلى المقاطعة. هل أعتقد إنسان مرة وجود صفات الجياد دون الجياد نفسها؟ أو وجود نغمات القيثارة دون العزف عليها؟ أن كنت تأبى أن تجيب بنفسك يا صديقي، فسأجيب لك وللمحكمة. كلا! لم يفعل ذلك إنسان. والآن، هل لك أن تجيب على هذا السؤال الثاني: أيستطيع إنسان أن يؤمن برسول روحي إلهي، ولا يؤمن بالأرواح نفسها أو بأشباه الآلهة؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>