يروون أن جماعة من آل الزبير كانوا يجتمعون إلى مغنية فيسمعون ويطربون. حتى إذا استخف الطرب أحدهم (وهو عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير) قال فيها:
أحلف بالله يميناً ومن ... يحلف بالله فقد أخلصا
لو أنها تدعو إلى بيعة ... بايعتها ثم شققت العصا
فبلغت هذه الأبيات أبا جعفر المنصور فدعاه إليه وعنفه على قوله، وعيّره بضعف آل الزبير من هذه الناحية إلى أن قال له (حتى صرت أنت آخر الحمقى تبايع المغنيات، فدونكم يا آل الزبير وهذا المرتع الوخيم!)
وسخر المنصور من هذا الضرب من القول. وهذا النوع من الحياة، وقال إنما يعجبني أن يحدى لي بهذه الأبيات:
إن قناتي لنبع لا يؤيسها ... غمز الثقاف ولا دهن ولا نار
متى أجر خائفاً تأمن مسارحه ... وإن أخف آمناً تقلق به الدار
هذه القصة تمثل نوعين من الأدب: فنوع يصح أن تسميه أدبا رقيقاً، وإن كنت أشد صراحة فسمه أدبا ضعيفاً أو أدبا (مائعاً) كما يصح أن تسمي النوع الثاني أدبا قويا أو أدبا رصيناً.
ولست أعني بالضعف أو القوة ضعف الأدب أو قوته من الناحية الفنية، وإنما أعني ضعفه وقوته من الناحية الخلقية والاجتماعية، فقد يكون هذا النوع الذي أسميه ضعيفاً أو مائعاً في منتهى الرقي من الناحية الفنية، كما قد يكون الأدب القوي ليس قويا بالمقياس الفني.
وهذه القصة تمثل لنا أيضاً أن الأدب المائع والقوي أثر من آثار الحوادث والظروف، فقد فشل آل الزبير سياسياً ولم تتحقق مطامعهم. فاستولى عليهم اليأس وانصرفوا إلى اللهو وانسوا بالسماع وما إليه واحتقروا الخلافة حتى ليهمون أن يبايعوا جارية مغنية، ويحدث عبد الله بن مصعب هذا عن نفسه فيقول: إذا غنتني هذه الجارية.