يتشابه الفتح بن خاقان وأبو الحسن بن بسام في أنهما كانا متعاصرين، وفي أنهما تصديا للكلام على أدباء الأندلس من العلماء والشعراء والكتاب والوزراء والملوك ممن عاصرهما ومن كان قبل عصرهما، وفي أنهما كانا يرسلان إلى معاصريهما يعرفانهم عزمهما ويسألانهم إنفاذ شيء من منثورهم ومنظومهم ليذكراه في كتابيهما: الأول في قلائد العقيان ومطمع الأنفس، والثاني في الذخيرة. قال العماد الكاتب صاحب خريدة القصر: حدثني الصاحب الكبير العالم جمال الدين بن أكرم قال: لما عزم أبن خاقان على تصنيف كتاب قلائد العقيان جعل يرسل إلى كل واحد من ملوك الأندلس ووزرائها وأعيانها من أهل الأدب والشعر والبلاغة ويعرفه عزمه ويسأله إنفاذ شيء من شعره ونظمه ونثره ليذكره في كتابه. وكانوا يعرفون شره وثلبه فكانوا يخافونه وينفذون إليه ذلك وصرر الدنانير، فكل من أرضته صلته، أحسن في كتابه وصفه وصفته. وكل من تغافل عن بره هجاه وثلبه. وكان ممن تصدى له وأرسل إليه أبو بكر بن باجه المعروف بابن الصائغ، وكان وزير أبن فلويت صاحب المرية. وهو - أي أبن الصائغ - أحد الأعيان وأركان العلم والبيان. شديد العناية بعلم الأوائل، مستول على أهل الأشعار والرسائل، وكانوا يشبهونه في المغرب بابن سينا بالمشرق، وله تصانيف في المنطق وغيره، فلما وصلته رسالته تهاون بها ولم يعرها طرفه، ولا لوي نحوها عطفه، وذكر أبن خاقان بسوء بلغه، فجعله ختم كتابه، وصيره مقطع خطابه، وقال: هو رمد جفن الدين الخ وبلغ ذلك أبن الصائغ، فأنفذ له مالا استكفه به واستصلحه؛ وصنف أبن خاقان كتاب آخر سماه مطمح الأنفس وصله بقلائد العقيان افتتحه بذكر أبن الصائغ وأثنى عليه فيه ثناء جميلا الخ وكذلك نرجئ الكلام على ما كان بين أبن خاقان وبين الفيلسوف أبن باجه أو أبن الصائغ إلى ما بعد الفراغ من الموازنة بين أبن خاقان وبين أبن بسام. . . وقد ظهر لك مما أوردناه هنا من كلام العماد أن أبن خاقان كان يرسل إلى أعيان الأندلس ليرسلوا إليه آثارهم، وكذلك كان يفعل أبن بسام صاحب الذخيرة. . . قال المراكشي صاحب المعجب: فمما أختار له - أي لأبي عبد الله محمد بن أبي