نشر الأستاذ الناقد سيد قطب مقالين عن القصة في مجلة الرسالة الغراء تحدث في أولهما عن أدب محمود تيمور، وعرض في الثانية لقصة الأستاذ نجيب محفوظ (كفاح طيبه)، وبقدر ما أثار مقاله الأول دهشتي؛ فإن مقاله الثاني قد خفف من هذه الدهشة أحالها إلى أسف عميق للوقت المضاع الذي صرفته في قراءة المقالين - وكلاهما عن القصة - متوقعا مرجو الفائدة من مقالين لناقد اشهد أني طالما قرأت له في النقد أبحاثا طيبة.
أما الدهشة فقد كان مبعثها حيرة ناقد يفهم في القصة أمام فن الأستاذ تيمور وأمام الطائفة (ولا أقول المدرسة فقد أوقع هذا اللفظ الأستاذ سيد قطب في سلسلة من الأخطاء) التي يمكن أن يوضع بين أفرادها.
أجل. لقد تملكت الحيرة الناقد سيد قطب ودار يطرق بفن محمود تيمور أبواب المذاهب الأدبية باحثا له عن مأوى يركن إليه فما وجد. فآب إلينا بعد رحلته ينادي بحيرته، ويقول أنه حائر بهذا الرجل (محمود تيمور) وبفنه.
دهشت كل الدهشة لأنني، ولست ناقداً، استطعت أن أضع تيموراً في مكانه منذ أقاصيصه الأولى، واستطاع العشرات ممن الكتاب أيضاً أن يضعوه في هذا المكان، فقلت وقالوا عنه أنه واحد من رواد المذهب الواقعي، واختلفت واختلفوا في أمر واحد، هو قدر تيمور بين رواد هذا المذهب. وهنا تشعبت الآراء واختلفت، وأحسب أن كاتبا من الكتاب غير تيمور لابد إذا وضع موضع الدراسة والتقدير أن يعاني نفس الاختلاف بين ناقد وناقد، لأن مذاهب الأدب ومدارسه، ليست كما يتصورها الأستاذ سيد قطب معسكر اعتقال تحكمه قوانين صارمة، وإنما هي في الواقع تسمى مدارس تجوزاً، حقيقة الأمر فيها أنها مجرد أبواب. أبواب مختلفة لمدرسة واحدة، لكل طائفة باب تسلك منه إلى داخلها، ولن تقوم القيامة حين يدخل كاتب من باب غير بابه، ولن يشنق الناقد إن سلك كاتباً في غير طائفته فلابد واجد في أدبه ما يصله بهذه الطائفة أو تلك أو غيرها.
لذلك دهشت ورثيت للأستاذ سيد قطب وهو يدور بتيمور فأتعب الرجل وأضنى نفسه.