قد عرفنا أن التاريخ يدرس بواسطة الأصول كالوثائق وآثار ومخلفات الإنسان من الزمن الماضي. وحوادث التاريخ يمكن أن تعرف عن طريقين: عن طريق مباشر بملاحظة ومشاهدة الحوادث أثناء وقوعها، أو عن طريق غير مباشر بدراسة الآثار المتنوعة التي خلفتها هذه الحوادث. فالمعلومات عن حادث زلزال مثلاً يمكن معرفتها بطريق مباشر من بعض شاهدي العيان، أو بطريق غير مباشر بملاحظة آثار التدمير التي خلفتها الهزة الأرضية، أو بقراء وصف كتابي سجله أحد الناس عنها سواء بطريق المشاهدة أو بطريق الرواية. وهذا ينطبق تماماً على حوادث التاريخ. والحوادث والأوصاف التي يسجلها الرحالة المعاصر مثلاً تمتاز بإعطائها دقائق وتفاصيل، وبتصويرها روح العصر، وذلك ما لا يتاح للكاتب المتأخر. ولكنا نلاحظ أن وجود الكاتب في العصر الذي يسجل حوادثه ليس معناه أنه يمكنه الإحاطة بجميع نواحيه وإجادة الكتابة عنه. وذلك لعدة عوامل، لاحتمال تحيزه للتيارات المتنوعة التي تسيطر على الفكر الإنساني، أو لتأثره في كتابته باتباع المصلحة لوصول إلى أغراض شخصية أو لتجنب الاضطهاد في بعض الأحيان؛ وكذلك لعدم إمكان حصوله على جميع الأصول التاريخية، بالرغم من عيشه في العصر الذي يدرسه، والتي تظل خافية وممنوعة من التداول سنوات عديدة سواء لدوافع سياسية، أو للرغبة في عدم إذاعة الأسرار الخاصة في حياة بعض الناس. فالأفضل دائماً أن يكون المؤرخ بعيداً عن العصر الذي يكتب عنه لكي تظهر الأصول والأسرار والخفايا بعد أن تتبلور حوادث التاريخ خلال الزمن الغابر.
فحوادث التاريخ تعرف بصفة أساسية عن طريق غير مباشر بدراسة آثار الإنسان المختلفة