يمكن أن يقسم كلام ابن خلدون فيهما أقساماً ثلاثة: الإقليم والبيئة الجغرافية والدين؛ فلقد تتبع المجتمع البدوي والحضري وحكومته على اختلاف ضروبها ووسائل الارتزاق ولم تعد أحكامه في سياسة الممالك الاستبدادية التي ذكرها في مقدمته مطردة في عصرنا هذا إذ أصبحت طريقة الحكم في هذا العصر دستورية مبنية على الحكم النيابي الذي يؤيده الدستور ويدعو إليه سواء أكانت جمهورية أم ملكية، على أن معدات الحروب وظواهر المدنية الحاضرة تختلف كثيراً عن حالتها السابقة
ومن رأى ابن خلدون أن هناك ثلاث ظواهر مستقلة عن المجتمع تؤثر فيه باستمرار هي: الإقليم والبيئة والجغرافية والدين، وقد تأثر في نظرياته الجغرافية (ببطليموس) الجغرافي اليوناني، وبالإدريسي الجغرافي العربي، وهو في هذا يبين أن البيئة الجغرافية وسيلة إلى شرح الأقاليم المختلفة، وأن درجات الحرارة المختلفة تؤثر في أجسام الناس وأخلاقهم، ومن ثم في الحضارة؛ فسواد لون سكان الجنوب يرجع إلى شدة الحر حيث الشمس محرقة دائماً، وأما لون أهل الشمال فأبيض للسبب العكسي. أما الأقاليم المعتدلة فأجسامهم أقوى وأوفر توازنا في حين أن أهل الأقاليم المنحرفة مجردون عن الحضارة، فهم همج لا يعرفون شريعة ولا حكومة ولا ديناً، وأخلاقهم في غاية التناقض، ولكنها بعيدة عن أن تكون مجتمعاً متحضراً. ويعلمنا التأريخ أن الحضارة لم توجد قط إلا في البلاد المعتدلة، وأن درجة كمالها تختلف بقربها أو بعدها عن الإقليمين المنحرفين، ولهذا كان الإقليم الرابع الذي يشغل الوسط والذي يتمتع بحرارة معتدلة ينعم دائماً بضروب الحضارة، ففيه الحكومات والشرائع والأديان المنزلة والعلوم والفنون. ويضع ابن خلدون في ذلك الإقليم المعتدل: الشام والعراق، فالشام مهد اليهودية والنصرانية، والعراق كان بها الحضارة الآشورية، ولكنه اعترضته صعوبة أن بلاد العرب مهد الإسلام، وموطن العربية - ليست من الأقاليم