للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رابعة العدوية]

للآنسة دعد الكيالي

زهرة بيضاء منداة بقطرات المناجاة والصلاة والخشوع، نبعة فياضة من نبعات الحب الإلهي الخالد الأكيد، شمعة قدسية احترقت بدموع العشق الروحاني النقي الطاهر، قديسة عابدة متهجدة في هياكل الليالي مسبحة في ظلال الأنهار، عذراء بتول انتصرت على الآلام المادية ومسخت عملاق الشهوات الجبار فإذا به قزم لا حول له ولا طول، نغمة صوفية غريبة ذات طابع جليل رائع، شخصية حلوة جذابة أقلم ما يقال فيها أنها نسيج وحدها بين الشخصيات النسوية.

تلكم هي شاعرتنا المتصوفة الكبيرة (رابعة العدوية) وإليكم ترجمة حياتها:

هناك في مدينة البصرة العراقية حيث يلتقي الأخوان دجلة والفرات، أجل في تلكم المدينة المتضوعة بخمائل النخيل رمز الصحراء المتصوفة وتمثالها ولدت سيدتنا العظيمة (رابعة) وكان هذا في أواخر الربع الثاني من القرن الأول الهجري، ذلك العصر الذهبي الذي كان للمرأة العربية فيه شأن قبيل أن ينال الوهن الفارسي والترف الروماني من حرية أبنه الصحراء الحرة الساذجة التي تختلط بالرجل ذلك الاختلاط النبيل المحصن العزة والكرامة.

كانت شاعرتنا المتصوفة مولاة لآل عتيك، توفي عنها أبواها وهي لما تزل رطبة العود، غضه السن فخلفهما على رعايتها رجل فظ غليظ كان يرهقها بالأعمال الكثيرة، ويعاملها بمنتهى الظلم والقسوة. فكانت المسكينة تحتمل كل هذا بصدر رحب وتحتسب عند الله ما تلاقيه من العذاب والآلام. ثم ماذا؟ ثم يبيعها سيدها من رجل آخر لا يقل عنه جوراً واستبداداً فتتقبل المسكينة قضاء الله المحتوم بسكينة ووقار، وتنطوي على نفسها وتتلقى التعب والنصب بالبسمة الراضية وتقوم بما وكل إليها سيدها من الأعمال خير قيام.

وذات يوم بينما كانت تسعى لشأن من شئونها في أحد شوارع البصرة ورماها بعضهم بنظرة سوء فأشاحت بوجهها عنه فزلت قدماها وكسرت ذراعها فأغمى عليها. وأخيراً نهضت وقد انطوت نفسها على الحسرة والألم؛ وبصوت متهدج من الخشوع أخذت تقول (رباه قد انكسرت ذراعي وأنا أعاني الألم واليتم، وسوف أتحمل كل ذلك واصبر عليه. ولكن عذاباً أشد من هذا العذاب يؤلم روحي ويفكك أوصال الصبر في نفسي منشؤه ريب

<<  <  ج:
ص:  >  >>