للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نفس كبيرة ثائرة وعقل راجح حكيم:]

السيد جمال الدين الأفغاني

للأستاذ حمدي الحسيني

- ٣ -

أقام السيد جمال الدين في الهند فترة من الزمن وضع خلالها رسالته في الرد على الدهريين. وما أن حدثت ثورة عرابي في مصر حتى أسرعت حكومة الهند فوضعته في نطاق من الرقابة الشديدة خشية أن تهب نسمة من روحه القوية على تلك الحركة الثورية فتزيد في اشتعالها وتؤجج من نيرانها فتقطع على الاستعمار الإنكليزي طريقه إلى مصر واحتلال مصر. ومنذ اطمأن الإنكليز على خطتهم في مصر سمحوا له بمغادرة الهند فغادرها إلى باريس حيث التقى بصديقه الأستاذ العلامة الشيخ محمد عبده رحمه الله فأصدر جريدة العروة الوثقى لدعوة المسلمين إلى الوحدة الإسلامية تحت لواء الخلافة العظمى حتى اشتدت مقاومة الاستعمار الإنكليزي لها فأغلق دونها أبواب الهند ومصر فتوقفت عن الصدور، وكان قد وصل في ذلك الوقت صدى تلك المقالات القوية التي نشرتها العروة الوثقى عن الاستعمار الإنكليزي في البلاد العربية والإسلامية إلى لندن، وكانت حركة المهدي لا تزال في السودان مندلعة النار فيتخذ الاستعمار الإنكليزي من الحجة في إخمادها وسيلة للسيطرة على مصر والتدخل في شئونها. فاستدعى سالسبري رئيس وزراء إنكلترا في ذلك الوقت السيد جمال بحجة استطلاع رأيه في المهدي وظهوره وقصده الحقيقي أن يحك هذه النفس الكبيرة بما عنده من جاه وسلطان ظنا منه أن مثل هذه النفس تلين بمثل هذا الإغراء الرخيص الذي كان الاستعمار يستعين به على كم أفواه الرجال فذهب جمال الدين إلى لندن واجتمع بسالسبري اجتماعا عرض سالسبري فيه على السيد جمال الدين أن يعينه سلطانا على السودان ليستأصل جذور فتنة المهدي ويمهد السبيل لإصلاحات بريطانيا فيه: (تكليف غريب وسفه في السياسة ما بعده سفه) بهذا أجاب السيد جمال الدين رئيس وزراء بريطانيا العظمى ثم قال له: هل تملكون السودان حتى تريدون أن تبعثوا إليه بسلطان؟ مصر للمصريين والسودان جزء متم لها. وصاحب الحق الخليفة الأعظم حي

<<  <  ج:
ص:  >  >>