يرزق ولديه من الجيش المادي والمعنوي ما يتذلل معهما كل صعب وفتنة في الكون الإسلامي وأجزاء ممالكه. قال هذا وخرج ثم عاد إلى باريز فالتقى بالفيلسوف الفرنسي - رينان - وجرى بينهما حديث في العلم والإسلام وحقيقة القرآن والعمران (فشهد له رينان بصحة العلم وقوة الحجة ورجع عن كثير من آرائه في أن الإسلام والقرآن مانعان للحضارة والعمران).
قضى السيد جمال الدين ما يزيد على الثلاث سنوات في باريز بذل خلالها من الجهود العظيمة الموفقة في مكافحة الاستعمار الأوربي الطامع في البلاد العربية والإسلامية ما جعل هذا الاستعمار يشعر بالقلق والاضطراب في حركاته وسكناته والخوف والذعر في آماله وغاياته. وبينما كان هذا النسر المحلق في سماء مجده يهم برحلة واسعة شاملة في البلاد العربية إذ بشاه إيران يستقدمه إلى طهران فآثر تلبية الدعوة وذهب إلى طهران فاستقبله الشاه بالإكرام والإعظام واسند إليه وزارة الحربية في حكومته وجعله فوق مستشاره الخاص، فحمل أعباء عمليه العظيمين في الدولة وراح يرشد الشعب الفارسي إلى ما له من حقوق وما عليه من واجبات فالتفت حوله أمراء البلاد وعلماؤها وأقسموا له أن يصدعوا بما يأمرهم به فأوجس الشاه خيفة فتنكر له، فرأى أن يستأذن الشاه بمغادرة البلاد فغادرها إلى روسيا وكانت شهرته قد سبقته إليها فاستقبل فيها بالإجلال والاحترام. ودعاه القيصر واجتمع به وسمع حديثه عن أسباب الخلاف بينه بين شاه إيران، فقال له القيصر إني أرى الحق في جانب الشاه إذ كيف يرضى ملك أن يحكم فيه فلاحو مملكته. فقال له جمال الدين أعتقد يا جلالة القيصر إن عرش الملك إذا كانت ملايين الرعية أصدقاء له خيرا من أن تكون أعداءَ يترقبون الفرص ويكنون في الصدور سموم الحقد ونيران الانتقام. فغضب القيصر وأوعز إلى رجال بلاطه بأن يخرجوه من بلاده بأقصى حدود السرعة. فخرج منها إلى أوربا وأخذ يتنقل في عواصمها حتى التقى في ميونيخ بصاحبه شاه إيران ثانية فاعتذر له الشاه عما فرط منه نحوه، ودعاه لمرافقته إلى طهران فقبل جمال الدين الدعوة وسار معه إلى بلاد فارس. ولم تكد رجلاه تطاءان أرض فارس حتى عاد الناس فالتفوا حوله كما فعلوا في المرة الماضية وقد كلفه الشاه هذه المرة أن يضع ما يراه مناسبا للمصلحة العامة من القوانين، فسن قانونا أساسيا للمملكة يقضي بأن تكون الحكومة