للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ملكية شورية (دستورية) ولكن ما كاد الشاه يطلع على ذلك حتى طار صوابه. فقال للسيد جمال الدين: أيصح يا حضرة السيد أن أكون وأنا ملك ملوك الفرس كأحد أفراد الفلاحين؛ فقال له جمال الدين اعلم يا حضرة الشاه أن تاجك وعظمة سلطانك وقوائم عرشك ستكون بالحكم الدستوري أعظم وأنفذ وأثبت مما هي الآن. فنفر منه الشاه وأعرض عنه فأحس بهذا النفور فأستأذن بالذهاب إلى بلدة (شاه عبد العظيم) فأذن له. فذهب إليها وتبعه عدد كبير من الزعماء وقادة الرأي في البلاد فخاف الشاه عاقبة ذلك فأمر بالقبض عليه فأنتزع من فراشه وهو محموم وأوصل إلى حدود العراق، فذهب إلى البصرة وأقام فيها حتى عادت إليه صحته فغادرها إلى لندن. وهناك جاءته من عبد الحميد دعوة إلى الآستانة فذهب إليها وكان في استقباله ياور السلطان فسأله أين الصناديق أيها السيد؟ فقال له: ليس معي غير صناديق الثياب وصناديق الكتب. فقال الياور أين هي؟ فقال جمال الدين أما صناديق الكتب فها هي، وأشار إلى صدره، وأما صناديق الثياب فهذه وأشار إلى جبته. ذهب السيد جمال الدين لمقابلة السلطان فاستقبله أحسن استقبال وأرسله إلى قصر كان قد أمر بإعداده له. وما أن خرج من حضرة السلطان حتى قال له كبير الياوران في شيء من الاستغراب والعتاب: إن إجلال السلطان لحضرتك لم يسبق له مثيل. واليوم رأيناك تخاطبه بلهجة غريبة وأنت تلعب بالمسبحة في حضرته. فقال له جمال الدين: سبحان الله! إن جلالة السلطان يلعب بمقدرات الملايين من الأمة على هواه ولا يعترضه منهم أحد؛ أفلا يكون لجمال الدين حق أن يلعب بمسبحته كيف يشاء؟!

أما إكرام السلطان لجمال الدين واحتفاؤه به وإقباله عليه فكان عظيما جدا. وأما إعجاب جمال الدين بالسلطان فكان إعجابا آخذا عليه جوانب نفسه؛ ولكن إعجابه هذا بالسلطان لم يمنعه من أن يقول له في صراحة ووضوح وفي شجاعة وعزم: خذ بعزم جدك محمود، وأقص الخائنين من خاصتك، واظهر للملأ ظهورا يقطع من الخائنين الظهور، واعتقد أن نعم الحارس الأجل. مما جعل السلطان يتنفس الصعداء ويعتذر له عما دعاه إليه بما في بيئته من الفساد، ويعده أن يفعل ما دعاه إليه في المستقبل.

قد عرض السلطان على جمال الدين مشيخة الإسلام ليصلحها فأبى ذلك وطلب من السلطان أن يعمل عملا يتغير معه شكل الحكم تغييرا أساسيا وهو يعني بهذا الرجوع إلى الشورى

<<  <  ج:
ص:  >  >>