في العدد ٧٥٠ من هذه المجلة الغراء تفضل الأستاذ (ط) بكلمة طيبة عن تمثيل الفرقة المصرية رواية (الناصر) للشاعر الكبير عزيز أباظة باشا، وخصني فيها بالتفاته رعاية، ثم تكرم مخلصاً بألفات نظري إلى ناحية من نواحي الإخراج الذي أجريته في المسرحية، وهي ناحية جديرة بالكشف وفي التعقيب عليها تبيان لمنحي من مناحي الإخراج المسرحي في مرحلته الحديثة.
يعجب الأستاذ كيف يحدث جرح، فوق المسرح طبعاً، من غير إراقة دماء، فقد طعنت إحدى شخصيات الرواية أخرى بخنجر، ومع هذا فانه لم ير أثر للدماء ولا تمزق في الثياب.
وهذا عجب مشروع له ركائز من الحق إذا اعتبرنا فن التمثيل من حيث الأداء ومن حيث الإخراج، نسخاً للحياة ونقلاً عن الواقع في أدق تفاصيله، أو بالأحرى إذا اعتبرنا المسرح لوحة فوتوغرافية من الواقع.
هذا الاعتبار الذي يأخذ به نقاد المسرح المصري له أصل في تأريخ تطور الفكرة عن فنون المسرح، وأقصد بالفكرة وجهة النظر التي يأخذ بها الجمهور أدباؤنا وفنانوه، تبعاً للمزاج العام الذي تعمل على تكوينه الاتجاهات الصريحة في الأدب والفنون، وقد برزت في أتم طابع وجهة النظر في أن يكون فن التمثيل مماثلاً كل المماثلة للحياة الواقعية، في أواسط القرن الماضي، وانتشرت في أواخره وغيرت كل وجهات النظر الأخرى، على يد المخرج الكبير (أندرية أنطوان) في فرنسا (استانسلفسكي) في روسيا، وكانت هذه الحركة بمثابة رد فعل لما كانت عليه فنون المسرح إذ ذاك من ابتعاد عن الواقع وإغراق في الأخذ بالتزاويق.
ولم يك هذا أمراً مستغرباً لأن (المذهب الواقعي) كان سائداً في أوروبا، وشمل الأدب في جميع ألوانه، والفن في مختلف أنواعه.
ولم يك هذا المذهب الواقعي إلا صدى من إسداء المزاج العام والحركة الفكرية الواعية