وغير الواعية. بفعل التقدم الآلي في الصناعات والمخترعات وبتأثير الحركة العلمية التي انتهت إلى اكتشاف جراثيم الجدري والدفتريا والسل وغيرها من الأدواء، وهي حركة قوامها (المجهر) و (معمل الأبحاث والتحليل) فكان أن خلد في أذهان الناس بتأثير هذا، أن الإنسان يستطيع أن يصل إلى جوهر الأشياء إذا أخضعها للتحليل والتجزئة، وأن آلة (الفوتوغرافيا) في إمكانها أن تنقل الحياة الواقعية نقلاً دقيقاً يطابق الأصل فالفن والحالة هذه، لا يكون في أوج كماله إلا إذا نسخ الواقع وماثله.
ويروي تأريخ الإخراج المسرحي، في صدد هذه النزعة الواقعية أعجب الحوادث، فقد أخرج (أنطوان) زعيم هذه الحركة في المسرح منظراً في إحدى الروايات، يمثل مجزراً للماشية، فكان أن شاهد الجمهور عدداً من الماشية المذبوحة وقد سلخت جلودها، وشدت إلى المشاجب الحديدية، والدم يقطر منها فوق أرض المسرح، فصفق الجمهور إعجاباً.
وأخرج زميله الروسي منظراً يمثل مقدم باخرة تشق عباب البحر في يوم عاصف، فإذا برشاش الماء يتناثر على الصفوف المتقدمة من أمكنة النظارة. وهكذا أصبحت قدرة المخرجين على محاكاة الواقع مقياساً للتفوق والشهرة.
ولم يكن المخرجون في هذا منحرفين عن الجادة، لأنهم كانوا يصدرون عما يتفق ونظرتهم ونظرة الجمهور إلى الفن المسرحي من حيث أنه صورة شمسية من الواقع الملموس. وقد تناسوا أن المناظر التي يطالعونها فوق المسرح لا تأخذ من حقائق الأشياء غير مظاهرها، بدليل أن ما يرونه ممثلاً للجدران الصلبة، والأعمدة، وحوائط الباخرة ليس إلا أستار ملونة مشدودة إلى إطارات من الخشب، ويكفي للدلالة على زيف معدنها أن تقع يد أحد الممثلين عليها فإذ هي تهتز وترتعش.
هذه النظرة إلى فنون المسرح أو بالأحرى هذه (النزعة الواقعية)، ما برحت تسود الأكثرية الغالبة من الجمهور. وقد جاءت إلينا مع مجيء فن التمثيل باللسان العربي، وفي طيات الموجه الثقافية الغربية التي تكسرت على شواطئ وادي النيل فيما بعد أواسط القرن الماضي. وقد تأصلت لهذه النزعة في مجتمعنا جذور امتدت على مر الزمن، فإذا الفن بين أيدينا لا يتعدى أن يكون صوراً شمسية من الواقع في أدق تفاصيله.
ولكن الزمن قد تطور في أوروبا التي أخذنا فنون المسرح عنها، فتغيرت قيم وأوضاع في