الأدب والفن، فبليت (واقعية) الفن بعد أن اتضح قصورها عن إشباع الواعية الأوروبية التي ازدادت نضجاً على وقع التقدم العلمي في نواحي الفلسفة وعلم النفس، الذي أثبت أن المرئيات إنما هي مظاهر ودلائل تشير إلى جوهر الأشياء ولا تفصل، وتوحي ولا تفصح، وتجمل ولا تحلل وأن الأخذ بالتركيب أصوب من الأخذ بالتحليل العاجز المتطاول. وقامت نزعة جديدة في الأدب والفنون تأخذ بالإيحاء الشامل بدلاً من نسخ الواقع وتفاصيله، وبالتركيز بدلاً من التحليل المفصح الذي يعنى بالتفاصيل ولا ينتهي إلى الجوهر. وقامت في المسرح، وذلك في أوائل القرن الحاضر، حركة تناهض (الواقعية) في فنون التمثيل وترتكز على ما تقدمت الإشارة إليه، سرعان ما قضت عليها إذ تركتها بين أيدي المتأخرين من متابعة قافلة التطور في الأدب والفن. فإذا المناظر المسرحية للأجمال والإشارة في التصوير، وإذا الإضاءة للتركيز على المواطن المهمة في الحركة المسرحية وليس لمجرد الإنارة، وإذا كل ما يبدو فوق المسرح للإيحاء، وإذا بالمسرح يصبح (تمويهاً للواقع) وليس (نقلاً واقعياً) عنه، وامتد تأثير الاتجاهات الفنية الحديثة إلى المرئي فوق المسرح فإذا بنا نطالع فوقه مذاهب (الإيحائية) و (التأثرية) و (التعبيرية) في التصوير والرسم.
وقد زاد في الأخذ بهذا ما فرضته السرعة في الانتقال من تأثير على النظرة إلى المرئيات، هذا التأثير الذي نسخ بدوره فعله على العقل الواعي وغير الواعي، فغداً مقياس العمل في كل نواحي الحياة، (أتيان أكبر الأثر بأبسط الوسائل وفي أسرع وقت). وكان من اكبر الأسباب التي دفعت بالمسرح إلى أن يأخذ اتجاهاً يجافي الواقعية، في تسجيل المرئيات، وهي قصوره عن مجاراة (السينما) في وسائل أحياء الواقع على الوجه الذي تراه العين المجردة.
من أجل هذا وعلى هدى ما تقدم ذكره فإننا نأخذ بهذا الاتجاه الجديد في إخراج مسرحياتنا، حتى نماشي روح العصر الذي نعيش فيه. الإيماءة تأخذ مكان الحركة الكاملة، وجذع الشجرة ينبئ عن فروعها ويشير إلى أغصانها، والعامود ذو الطراز المحدود، أو الحنية أو العقد في البناء، يغنى عن أيراد بهو كامل الجدران قد دقت اليد في إيراد تفاصيله وكذلك الحال فيما هو دون هذا فإن طعنة الخنجر أو ضربة السيف، توحي بما يصاحبها.
وقد يصح أن في اتباعي هذا المذهب أقدم غير ما يألقه السواد الأكبر من الجمهور، ولكن