من واجبي أن أبشر بالجديد الذي يقبله الجمهور الأوروبي، وهو جمهور سبقنا في مضمار فنون المسرح، وعنه نأخذ في فنية المسرح وحرفيته، وهذا الجديد غير عسير استساغته، لأنه يرتكز على الطبيعة بقدر ولا يجافيها كل المجافاة.
وأؤكد للأستاذ (ط) أن مداركة ما أخذه علينا من أن الدم لم يتفجر على أثر طعنة الخنجر، من أيسر الأمور، ويكفي أن نضع في عب ممثلة دور الفتاة التي تطعن بالخنجر، (تفاحة) مملوءة بسائل أحمر، لا بالدم، فسرعان ما تتفجر تحت ضغط اليد التي تهوى عليها، فيغشى السائل الأحمر ثيابها ويسيل إلى الأرض، بل وينطلق رشاشة إلى الجمهور الذي يأخذ مكانه في الصفوف الأمامية.
ثم ماذا يكون قول الأستاذ (ط) إذا شاهد مرة في إحدى المسرحيات منظراً يمثل معركة حربية بين صليل السيوف التي من الخشب، وانفجار القنابل المزيفة التي تفرقع ولا تحدث أثراً، بماذا يحاسب المخرج إذا لم ير الدماء تسيل أنهاراً فوق المسرح، والأشلاء تتطاير هناك وهناك، ويضرب بعضها وجوه النظارة كما كان يجب أن يجري في الواقع، وهل يصح أن يقول أن المخرج أهدر جانب الواقع، وتورط في الخطأ الفاضح.
أقول أن الخدع المسرحية التافهة التي تدخل في نطاق ما ذكره الأستاذ الناقد أصبحت اليوم لا تؤثر في الجمهور المثقف، كما كانت تؤثر في نفوس أجدادنا مخدوعين أو متناسين الحقيقة، لأن النضج الذي نزل بالذهنية الحديثة من جراء التطور العلمي العام صار يميل إلى الأخذ بالإيحاء حتى ينسرح خيال المشاهد فيكمل التفاصيل، على وجه قد يكون أروع من تفاصيل مفروضة عليه من سواه.
أقول أن فن لمسرح في مظاهره العادية الخاصة بالإخراج ليس الحياة بواقعيتها وفي دقائقها وتفاصيلها، وإنما هو تمويه بهذا في حدود المعقول، الذي يبعث الإيحاء ويساعد على الرمز وينشط مخيلة النظارة على الإنسراح لاستخراج التفصيل من المجمل، والكل من الجزء.