في المؤتمر الثقافي العربي الذي عقد أخيراً في لبنان، اقترح أحد الأعضاء أن يرسل المؤتمر بكتاب إلى مجلس الأمن يؤيد به قضيتي مصر وفلسطين، فنهض له الأستاذ فؤاد أفرام البستاني ورد اقتراحه بأن المؤتمر ثقافي ولا سياسي، فليس من شأنه أن يرسل بهذا الكتاب ولا من مهمته أن يقتحم هذه الأمور التي هي من شأن رجال السياسة. . فقال الراوي وكاد الأمر أن يتطور أو يتهور. لولا أن الأستاذ إسمعيل القابني بك رئيس وفد مصر حسم الأمر بلباقته فطلب تحويل كافة الاقتراحات إلى اللجان الخاصة. .
وليس هذا بالأمر الغريب، ولا هو مما يثير الدهشة، فإننا أبناء الشرق العربي قد مُنينا بالاستعمار الفاجر دهراً فهدم كياننا، وحكم قوميتنا، وحلل شخصيتنا، وكانت خدعته الكبرى في ذلك أن أقنعنا بأن الدين شيء لا يتصل بالدنيا، وأن العلم شأن غير السياسة، وأن السياسة خطة غير الوطنية، وأن الوطنية هي أن يجد الإنسان ما يملأ به بطنه. . وهكذا أصبحنا نحيا الحياة، إذا أخذنا في ناحية منها فإننا نستدبر جميع النواحي الأخرى ولا يمكن أن نجمع في ذلك بين طرف وطرف، وليس رأي أخينا أفرام البستاني إلا أثرا من آثار تلك الخدعة الاستعمارية التي نكبنا بها الاستعمار اللئيم. . .
ألا ليت الأستاذ أفرام يقول لنا ما قيمة هذه الثقافة وما جدواهما وما حاجتنا إليها إذا لم تحقق لنا حياة حرة كريمة، وإذا لم تحقق تلك العقبات التي تعترض طريقنا وتذل أعناقنا، وإذا لم تفعم نفوسنا بالقوة والشجاعة والبطولة، وإذا لم تخلق لنا شخصية واضحة وقومية متميزة، وإذا لم تكن صلتنا بالحياة وطريقنا إلى المستقبل وسلاحنا الذي نكافح به الظلم، أجل! ماذا تكون الثقافة إذا لم يكن كل هذا أثراً من آثارها في حياتنا ونهوضنا وفي نفوسنا وقلوبنا؟!
لقد رأينا في الحرب الماضية كيف كان العلماء يبذلون علمهم ويرهفون قرائحهم في سبيل نصرة أممهم، وكيف كان رجال الفكر والفهم يتصدون للدفاع عن أوطانهم ويخاطرون في ذلك أكثر مما يخاطر الجنود. . . بل نحن أبناء الشرق ندرك ونعرف أن الاستعمار لم يكن يسير في أي بلد من بلادنا إلى وراء خطوات مستشرق يتخذ العلم وسيلة للتحكم أو وراء مستكشف يجعل الاستكشاف طليعة للتملك، أو وراء مدارس وجامعات ينشئون فيها أبناءنا