في تراث الماضي ورواسخه ذخيرة من الطمأنينة الروحية جيلنا المثقل بالأعباء في حاجة أليها. وفي النفس رغبة ملحة لأن تعادل في نباهة بين ما تتشوق إليه في الحياة اليومية من هناء وطمأنينة واستقرار، وبين ما يكتنفها من قلق وفتنة وتشويش مبعثه تسيار الحوادث وطبيعة التيارات الفكرية التي تعصف بالمرء في طور الفتوة العقلية في حاضر جيل كجيلنا مشحون بشتى أنواع الصراع
فهذا الجيل عجيب بين أجيال التاريخ. ولد في أهوال الحروب، ورضع من دم الثورات، وشب في عهود الفتن والانقلابات، وفي عواصف الفوضى الثقافية والعاطفية التي تنقلها إليه مواصلات فكرية سريعة ربطت أركان المعمورة بعضها ببعض فأصبحت كالدف تنقر عليه من أي ناحية فينقل الصدى إلى السامعين.
وقد فرض على هذا الجيل مسؤوليات جسام، فوجد نفسه مشوش التفكير موزع الأهواء، فقد اتسعت مداركه بالعلم الحديث وازدادت احساساته بالتجارب فأصبح يبحث عن استقرار وحرية الانطلاق، لا كترف يزين به رجولته، ولكن كمعول لتحقيق الطمأنينة في مفاهيمها العديدة - اقتصادية وسياسية وثقافية - لعله مستطيع تلبية حاجاته، وهي تفوق في ماهيتها وكميتها حاجات الأجيال السابقة.
وفي إبان يقظة هذا الوعي يواجه جيلنا ألوانا من المغريات فينساق معها المرة بعد المرة راميا بمسؤولياته إلى الجحيم، ولكن سرعان ما تجذبه هذه المسؤوليات أليها في عنف وشدة لتذكره بان المغريات في هذا الجيل لا تنال اختلاسا، ولا تستطيع أن تمنع المتعة الحقة ألا إذا توافرت أسبابها الاقتصادية وأوسطها الاجتماعية ودون ذلك ستائر كثيفة نساجها من مقدمات البيئية وتركز الثروة وسوء توزيعها، وما أولدته من أنظمة الطبقات واختلال الميزان الاجتماعي وما نتج عن ذلك من كبت للمواهب وقضاء على الفرص والإمكانيات، وعلى كل هذه عقبات منيعة لا مفر لجيلنا المدرك لحقوقه وواجباته أن يجاهد للتغلب عليها.
وفوق هذه المشاكل الاقتصادية والسياسة والاجتماعية مشكلة أهم بتخبط فيها جيلنا حين يحاول أن يوفر للنفس ذخيرة ثقافية تعينه علة مواجهة هذا التحدي. فبين النفس