لم يكن أول حب، فما مرت ساعة من نهار أو من ليل بلا وجد يعصف بقلبي فيزلزل وجودي، وإنما كان أخطر حب، لأن صادف قلبين كتب عليهما الشقاء بالهوى لأول لقاء
ولم يكن لهذا الحب مقدمات، على نحو ما تصنع الطبيعة في إرسال البشير بالغيث، أو النذير بالويل، وإنما صب علينا نعيمه وشقاؤه بلا وعد ولا وعيد، فأصاب قلبينا برجفة عاتية ستبقى لها ندوب، وإن قدر من بلواها الخلاص، ولا خلاص!
كنت أعرف أنها ملك يميني أصرفها كما أريد، فأنقلها من الغرب إلى الشرق، ومن الشمال إلى الجنوب، وكانت تعرف أنها ملأت قلبي فلا خوف من تعرضه لهوى جديد، ولو ساقته المقادير على يد جنية من جنيات باريس أو بغداد أو بيروت وطاب لنا في بداية الهوى أن نتكاتم، فقد كنا شببنا عن الطوق، وقد كانت لنا تجاريب تجعل البوح من أخلاق الأطفال. وكيف تأمن جانبي وقد (وصلتها أخبار) تشهد بأني لا أقيم على عهد، وأني أتخذ الحب وسيلة لدرس خلائق الملاح؟ وكان أمري في الهوى كما قدرت تلك البغوم، فما نظرت نظرة جارحة إلا لأقبس من أنوار الخدود شعاعاً ألون به مداد قلمي ولا تعرضت لمكاره الغواية إلا لآخذ من جحيم الفتك جمرة أذكي بها بياني
ثم كان حالي حال رائض الحيات في مدينة الأقصر، فما تاريخ ذلك الرائض؟
هو رائض تطايرت أخباره إلى (لورد كرومر) فأحب ذلك اللورد أن (يختبر) تلك الأخبار ليكون من أمرها على يقين، فقاده (الحاوي) إلى حية كان حبسها تحت حجر من الأحجار في رحاب (وادي الملوك)، وكانت تلك الحية تفهم عن (الحاوي) ما يريد، فتصحو أو تنام وفقاً لما علمها من الإشارات
ورفع الحاوي الحجر فثارت من تحته حية لم يرها من قبل، حية لم تتلقى عليه درساً من الدروس، ولا تفهم أنه في صحبة رجل كلفته الدولة البريطانية حراسة منافعها في مصر مفتاح الشرق!
وخاف الحاوي على حياته فلاذ بالفرار، ثم عظمت دهشته حين رأى لورد كرومر أقدر منه على الجري في طلب النجاة، مع أن في منطقته مسدسين، ومع أنه يمثل دولة لها في البر