كان حالي حال ذلك الرائض، كنت ألهو وألعب بالملاح كما كان يلهو ويلعب بالحيات، فكيف صار وكيف صرت؟
لقد هرب فنجا، أما أنا فثبت في مكاني لأصرع الحية أو تصرعني، وهل كانت حياتي إلا حومة نضال وصيال وقتال؟
وفهمت الحية وفهمت أننا لم نكن إلا أرقمين يتساوران، ثم كانت الحرب بيننا سجالاً فلم أنج منها ولم تنج مني
هي اطمأنت إلى أنها سيطرت على القلب الذي استطاب العبث بقلوب الملاح
وأنا رضيت بأن تكون تلك الحية من مرضاي، وهل من القليل أن تخضع الحية لحبك، الحية النضناض التي تقتل من تشاء بأيسر نظرة وأهون فحيح؟
كانت أنياب تلك الحية أشهى إلى فمي من (فرط الرمان) كما يعبر أهل سنتريس، وكنا نرضى ونغضب بلا اقتصاد ولا احتراس، فكان لنا في كل لحظة شأن أو شؤون، وكان وجهها يربد في وجهي من وقت إلى وقت، كما تصنع السماء مع المحيط، كانت ترضى فأظنها صارت ملكي إلى الأبد، وكانت تغضب فأتوهمها ضاعت من يدي إلى آخر الزمان
ولكن الشقية في جميع أحوالها جميلة فتانة إلى أبعد حدود الجمال والفتون، وكانت تعرف أن هواها أقسى وأعنف من القدر المكتوب، وكانت فوق هذا وذاك تفهم أني أول وآخر من يعرف خفايا الأسرار لحسنها المكنون، وكانت تفهم أني أدرك من أخطارها ما لا يدرك المصريون من أخطار قناة السويس، وكان يروعها أن تراني مبهوتاً أمام جسمها الفينان يبهت عابد الشمس وقد تجلت بطلعتها البهية عند الشروق
هل كان جمال هذه الشقية وهماً خلقه القلب الذي يطيب له التغريد فوق أفنان الجمال؟
وكيف وقد زاحمني إلى قلبها المتمرد مئات الفحول، فكنت بحمد الهوى أول سابق لا أول مسبوق، ومن زعم أن له ذراعين أقوى من ذراعي فقد أعتصم بحبل الزور والبهتان
كانت نخلة لا يميلها غير العواصف التي تثور عن وجداني. كانت امرأة وقوراً لا يستخفها غير الغزل الذي يصدر عن بياني
كانت في رزانة الجبال إلى أن رأيتها فعرفتني، وكنت قطعة من ثلوج الشمال إلى يوم