ابتسم الزيات وقال: ما هذا التعسف الذي يقع فيه أصحابك الصوفية؟
فقلت: وما شواهد ذلك التعسف؟
فقال: ألم تعلم أن أحدهم شرح الأجرومية بطريقة صوفية؟
ثم رجعت إلى نفسي أحاورها في صمت هو أعنف ما يكون من الضجيج، فقد تذكرت أن حالي في دنياي كان حال الرجل الذي شرح الأجرومية بطريقة صوفية، وأخشى أن أصير إلى ما صار إليه، فلا أظفر من الناس بغير السخرية والاستهزاء!
ولكن، هل أملك التوبة من الشطط والجموح فلا أفجع الناس في أوهامهم من وقت إلى وقت، ولا أشرح لهم الأجرومية بطريقة صوفية؟
وكيف أسكت عنهم وأنا أريد أن أطمئن إلى أن لهم وجوداً ذاتياً يسمح لهم بالرضا والغضب، والقهقهة والأنين؟
إن القلم في يد الكاتب هو المشرط في يد الطبيب!
وكنت لعهد اشتغالي بالطب أعرف مصير المريض بعلامة صريحة، هي إحساسه بوخز المشرط، فإن صرخ عرفت أنه مرجوّ العافية، وإن سكت سكوت الجمود لا سكوت الصبر، عرفت أنه صائر إلى الموت. . .
وهل أنسى اليوم الذي سمعت فيه أقبح ألوان السباب من مريض أعملت فيه المشرط بلا تهيب ولا ترفق لأنقذه من أظفار المنية؟!
ثم اتخذت من القلم مشرطاً أعالج به أمراض القلوب بعد أن فرغت من علاج الأبدان، فما الذي رأيت؟
قضيت سنين بدون أن أسمع من مرضاي صرخة جزع أو شهقة بكاء، فكدت أيأس من سلامة مرضاي، وهممت بتوديع مهنة الأدب كما ودعت مهنة الطب، لأرجع فلاحاً يصاحب الفأس والمحراث في حقول سنتريس. . .
ثم لطف الله بمرضاي فهداهم إلى الصراخ والأنين لأعرف أن الأمل في نجاتهم ليس من