سيبلغ صديقي الأستاذ المحامي عباس العزاوي في هذا العام من العمر الخامسة والخمسين، وإذا ذكر العزاوي في العراق ذكرت الكتب والمكتبات والمخطوطات. فالأستاذ هاو معروف من هواة الكتب القديمة ومن هواة الخطوط، وقد جمع في بيته مجموعة ثمينة من الخطوط القديمة وهو يحدثك عنها وعن صاحبها وبائعها وكيف وصلت إليه، وميزات الخط الفلاني وعلاقته بالخطوط الباقية حديثاً تدرك من خلال مبلغ حب هذا العالم لكنوز الأجداد الأقدمين.
وهو لا يريد من وراء ذلك مكسباً لأنه لا يتاجر بالكتب ولا بالخطوط ولا بالمخطوطات، وهو لا يبتغي من وراء ذلك أجراً لأنه ليس بحاجة إلى هذا الأجر. ولا هو في حاجة إلى أحد. ثم هو لا يتبجح بمجموعته الثمينة شأن أغلب أصحاب الكتب والمكتبات والنوادر. يعرضون ما يجمعونه على الناس ليقال عنهم إنهم من أصحاب التحف والنوادر والجاه العريق.
والعزاوي من أبعد الناس عن التبجح والظهور فهو لا يعاشر إلا بطانة معروفة من الأدباء هي حاشيته وخاصته وجماعته وهي تعد؛ ولا يرافق إلا ابنه (فاضل) من مكتبه إلى مقهى (بلقيس) على شارع أبي نؤاس حيث يجلس قرابة ساعة ثم يعود مع ابنه إلى البيت.
وقد كان يصاحبه أخوه المرحوم المحامي (علي غالب العزاوي) إلى أكثر الأماكن، وكان أصدقاؤهما يقولون (ما أحب الأخوة) فقد كانا مضرب الأمثال في الأخوة حقاً، ولكن الجناة أبوا إلا أن يفرقوا بين الأخ وأخيه فقتلوا (علياً) على قضية خسيسة من حطام الدنيا وفرقوا بين عباس وعلي.
وهو لا يعاشر الآن إلا صديقاً واحداً لازمه منذ عرف الحياة وهذا الصديق هو (الكتب والعلم) ونادراً ما تراه وهو بغير كتاب. والكتاب المحبوب إليه (كتاب التاريخ) وأحب كتب التاريخ إليه على ما أعتقد هي كتب التاريخ النادرة ولا سيما الكتب التي تبحث عن الفترة المظلمة السوداء (فترة العراق بين أحتلالين) وهي فترة مجهولة موحشة تبتدئ بسقوط بغداد على أيدي الغزاة المغول وتنتهي باحتلال الإنكليز لبغداد عام ١٩١٧ للميلاد.