عرفك الناس يا صاحب المعالي في جميع أطوار النهضة وأدوار الجهاد رجل جد وعزيمة، وصاحب رأي ونفاذ. ولعلك واحد الزعماء في حب الصمت وكراهية الإعلان وإيثار العمل. ولقد كان توليك أمور المعارف أمنية من أماني النفس المصلحة طالما هفت بقلبك وقلوب رجال الثقافة. فإن داء وزارة التعليم قد استفحل وأعضل حتى استيأس منه الطبيب والعائد، وأنت من الرجال القلال الذين عرفوا أن هذه الزَّمانة التي خزلت هذه الوزارة عن السير في عصر السرعة إنما هي الذبذبة في سياستها والفوضى في ساستها والتواكل في جنودها. وكنت تنظر إليها من بعيد وهي تمشي متخلجة متخلفة فترجو أن يتيح الله لها قوماً غير القوم فينفخوا فيها من روح العصر ونشاطه ما يساعدها على مسايرة النهضة ومواتاة الحاجة.
وهاأنت ذا قد أتاحك لها الله كما رجوت ورجا أنصارك، وقد استقر الأمر واتسق الحكم واستبان الطريق، وعلى رأس الدولة ملك ديمقراطي النزعة عُمَري الإصلاح، يريد أن يكون عهده السعيد عهد مصر الذهبي في العمران والعرفان والسلطان والمنَعة؛ وعلى رآسة الحكومة رجل قوي الإدارة نزيه السياسة حر الضمير، يود أن يكون حكمه حكم الأمة في إشاعة الخير، وتوخي المنفعة، وتعميم العدالة! ولك وكيل منطقي الرأي أصيل الثقافة يتساير هواك وهواه في الطريقة والغاية. فنحن إذن حريون أن نرى وزارة المعارف في عهدك شيئاً آخر يختلف عن هذا الشيء في روحه ونظامه وعمله وغرضه ومداه.
إن مراقبة الثقافة العامة يا معالي الوزير هي الناحية التي ستخرج منها الوزارة عن سياستها الديوانية التقليدية التي انحصرت إلى اليوم بين جدران المكاتب وأبواب المدارس فلم تتصل بالفكر العام اتصالاً مباشراً تغذيه أو تهديه أو تعاونه. في هذه الناحية الجديدة ستلتقي الوزارة بالشعب وترى بعينها أنها فرطت في جانب الثقافة العامة تفريطاً لا يسعها فيه عذر. فالأدب لا يزال ناقصاً في نوعه، قاصراً في بيانه، قليلاً في نتاجه، ضعيفاً في انتشاره. فهو ناقص في نوعه لأنه أنكر قديمه وجهل جديد الناس فلم يُغذِّه ماض ولم ينَمِّه حاضر، فبقي مُخْدَج الخَلْق لا هو ميت ولا هو حي. ولقد كان أدبنا القديم في حدود مراميه