للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[فصول ملخصة في الفلسفة الألمانية]

تطور الحركة الفلسفية في ألمانيا

الناحية السلبية من مذهب نيتشة

الإنسان للأستاذ خليل هنداوي

يرى نيتشه شريعة العبيد ومثل الزهد وسلطة الكاهن تقوم أركانها على جملة أكاذيب فارغة؛ وهو لا ينظر إلى الشريعة المسيحية نظرة الرافض لها، وإنما يجد فيها خطراً كبيراً وتدميرا. إن قطيع المنحطين وقائدهم كاهنهم الزاهد تراهم وقد قضي عليهم بأن يغمضوا أعينهم عن بيان أصول الأشياء، لكي يضعوا - موضع الامتحان والحقيقة التجريبية - شريعتهم وقيمهم الوهمية الضالة التي عالجوا بها حل أسرار الوجود. لو أدرك المريض حقيقة أمره، وعرف مكان عافيته، وموطن شفائه، وعلم أن علاج الكاهن لا يزيح من ألمه الحقيقي شيئاً، وإنما هو علاج ظاهر يعمل على تشديد الألم بدلا من أن يعمل على تخفيفه وشفاء صاحبه؛ لو علم ذلك كله لرأيت العمارة المسيحية قد انهارت دعائمها واندكت صروحها. إن المنحط الضعيف يتحرى عن مخفف حقيقي لآلامه عند الطبيب أو عند الموت. وقد أحس الكاهن هذا الخطر فأخذ يحدث قرناءه دائماً عن الإيمان، وهو الاقتناع المبني على غير العقل، عن الإيمان الذي لا يحفل بحقيقة الأشياء، وهل الإيمان بحقيقته إلا أن تفرض وهما تشعر بضرورةوجوده في الحياة، تفرض وجوده بأي ثمن كان

في كل عصر يرى الكاهن في الحكمة الدنيوية والعلم الواقعي الذي يدرس الوجود للعلم، غير حافل بقواعد الدين، يرى الكاهن فيهما خصمين عنيفين، وهو يحلل كل وسيلة تصرف الإنسان عن التأمل في الأشياء بعين نفسه، وعن جلاء الحقيقة عارية مجردة من غير تشويه. وهذا ما لا يتساهل فيه نيتشه، ولقد يغفر للمسيحية ما تبث في الإنسانية من آلام، وما عسى يضر الألم الإنسان إذا كان الألم يصفيه؟ وفي الحقيقة نرى الإيمان الديني قد خلق أرواحاً كثيرة أفادت البشر؛ ولم يكلف نتشيه نفسه بيان الآلاء التي قامت بفضل ثورة العبيد فأغنت النوع الإنساني وظلت من الانقلابات المعتبرة في التاريخ. ونتشيه يعجب بالمنطق العظيم في المنطق الديني الكاذب، وبالمذهب الذي ابتدعه وظل يغذي الناس طيلة

<<  <  ج:
ص:  >  >>