ليس أصعب على الباحث من الكتابة عن حياة عالم لمُ يعطه التاريخ حقه من البحث والاستقصاء، ويزيد في الصعوبة التشويه الذي نجده في حياة كثيرين من علماء العرب والمسلمين. فكم من حقائق لم تذكر، وكم من حوادث أخذت على غير حقيقتها فسيئ فهمها، وكم من اختراع للعرب نُسب لغيرهم، وكم من تلاعب طرأ على التراث الإسلامي فجعل كثيرين من شبابنا يشكون في مجد أمتهم ومدنيتها وقابليتها على الإنتاج. ومن الغريب أن تجد بعض علماء الفرنجة (لبقين) في الكتابة عن نوابغ العرب، فهناك شخصيات عربية وإسلامية لمعت في نواح عديدة من المعرفة، ومن الطبيعي أن يختلف اللمعان، فبينما تراه شديداً في فروع، تراه في الأخرى وفي الوقت نفسه غير شديد. ويأخذ بعض الإفرنج النواحي الشديدة اللمعان ويذكرونها ويهملون النواحي الأحرى إهمالاً كلياً لا يعيرونها أي اهتمام ولا يأتون على ذكرها. ولا شك أن في هذا إجحافاً لا يستسيغه عقل ولا يقبله منطق، وعلينا أن نعمل جهدنا لنظهر هذه ونعطيها حقها من التنقيب والبحث. خذ أبن سينا (مثلاً) فقد اشتهر في الطب والفلسفة، وقليلون جداً الذين يعرفون أنه كان رياضياً وطبيعياً، وأن له في كل هذه جولات وآراء سديدة قيمة، فلقد أفاد الفيزياء ببحوثه المبتكرة فيها، كما أنه استطاع أن يقدم خدمات جليلة لبعض الفروع من العلوم الرياضية. وإذا اطلعت على ترجمة حياة أبن يونس في دائرة المعارف الإسلامية تجد أن كاتب الترجمة قد وفي حق أبن يونس في نواح ولم يوفها في نواح أخرى فلقد جهل أو نسى أو تناسى (لا أدري) أن يذكر أن الرقاص (بندول الساعة) هو من مخترعات أبن يونس وناهيك بالرقاص والفوائد التي جنتها المدنية منه. ولا أكون مبالعاً إذا قلت إنه يندر أن تجد واحداً يعرف أن عمر الخيام كان من كبار رياضي زمانه ومن فحول فلكي عصره، فلقد قدم خدمات حقيقة