للرياضيات والفلك لا تقل عن خدماته للشعر والفلسفة، وما يقال عن هؤلاء يُقال عن غيرهم.
منشؤه:
والآن. . . نعود إلى الكندي فنقول: قل من يجهل أن يعقوب الكندي من أشهر فلاسفة الإسلام، ولكن قل من يعرف أيضاً أن له فضلاً على العلوم الرياضية والفلكية إذ كان من الذين امتازت مواهبهم في نواحيها العديدة، ومن أوائل الذين اشتغلوا وألفوا في العلوم الدخيلة. يقول كتاب التمدن الإسلامي (. . . فبعد أن كان العرب في صدر الإسلام يستنكفون من الاشتغال حتى في العلوم الإسلامية. . أصبحوا لا يستنكفون من الاشتغال حتى في العلوم الفلسفية الدخيلة، وأول من اشتغل فيها أبناء ملوكهم. .) كان الكندي عالماً بالطب والفلسفة والحساب والهندسة والمنطق وعلم النجوم، وتأليف اللحون، وطبائع الأعداد. وهو يمت بالنسب إلى أحد الملوك العرب، وكان أبوه أميراً على الكوفة (محل ولادته). وقد وُلد في بداية القرن التاسع للميلاد ولم نتمكن أن نعثر بالضبط على تاريخ ولادته. أما تاريخ وفاته فيرجح أنه في أواخر القرن التاسع.
درس الكندي في بادئ أمره في البصرة ثم أتم تحصيله على أشهر العلماء، هذه الفرص التي لم تكن تسنح لغيره، واستعداده الفطري واستغلاله لكل ذلك أوجد له مكاناً ذا حرمة واعتبار عند خلفاء بني العباس حتى أن الخليفة المأمون انتخبه ليكون أحد الذين يُعهد إليهم ترجمة مؤلفات أرسطو وغيره من حكماء اليونان. ولم يخل الكندي من أناس يناصبونه العداء إما حسداً وإما غير ذلك كالقاضي صاعد بن أحمد القرطبي، وأبي معشر جعفر بن محمد البلخي ويُقال إن هذا الأخير كثيراً ما كان يشاغب عليه ويشنع بحجة أخذه بعلوم الفلاسفة، وقد تمكن الكندي مرة بثاقب نظره أن يتخلص منه، وذلك بأن بعث مَنْ حسّن له النظر في الرياضيات وفعلاً اشتغل أبو معشر بها زمناً، ولكنه لم يوفق، فعدل عنها إلى علم النجوم، وقد وجد فيه لذة فعكف عليه وأحب من يشتغل فيه وأصبح من أصحاب الكندي ومن المعجبين بعلمه ونبوغه