لا تظهر صورة الشيطان في العصور الأولى من تاريخ الكنيسة، وينبغي أن نبدأ من القرن السادس، لنرى التخيلات الأولى، للشيطان.
وأقدم هذه التمثيلات توجد الآن في مخطوط قديم عن أعمال القديس غريغوار. في المكتبة الوطنية بباريس.
فهذا المخطوط الذي يرجع عهده إلى القرن التاسع، يتضمن صوراً أقدم من هذا التاريخ بثلاثة قرون. فإحدى الصور، تمثل محاولة الشيطان فتنة أيوب، وفيها يظهر أيوب في قصره يفكر والشيطان بالقرب منه، حاملا في يده حقة طيب، تتأرج منها الروائح العطرة المسكرة، وكأنه يسخر من الحكيم ويهزأ به.
ولا يظهر الشيطان في هذه الصورة مخيفاً، بل ما يزال الملك المطرود، المتكبر، وهو هنا ذو جناحين طويلين منتشرين، وله وراء رأسه إكليل من النور، تذكر بأصله. ثم هو عاري الجسم حول خصره زنار من السيور، وليس في مخايله ما هو بعيد عن خلقة الإنسان، ولكن يديه ورجليه المعقوفة الأظافر، تميزه ميزة خاصة.
وفي هذه المخطوطة، صور أخرى للشيطان وكلها متماثلة. والظاهر أن الفن الإغريقي، والفن البيزنطي، لم يشاءا أن يشوها شكل الشيطان. والفنانون الشرقيون في بيزنطية كانوا ذوي شغف بالجمال، فلم يهتموا بتصوير هذا الشيطان، قرينا بالشر، المخيف المنظر والمخبر.
ولم يقل رجال الدين في الكنيسة قط، إنهم رأوا مثلا الشيطان يوما، بشكل شاب غرانق جميل، أو بشكل فتاة حسناء كاعب، ذات وجه ناضر. ولذلك كانوا يصورون الشيطان بالقبح، ويلونونه باللون المظلم القاتم، كالأسود أو لون البنفسج، فهذا ملك الليل الشرير.
وانتقلت هذه الصورة من بيزنطية إلى الغرب، فاتخذ الشيطان صورة البطل المغلوب المنهزم، أو صورة الملك المطرود، الذي ما زال يحفظ سمات الملائكة وصفاتهم.
ولم يلبث أن تبدلت هذه الصورة، فعندما أراد نحاتو الكنائس الرومانية أن يصوروا الشيطان، ملاك الشر تمثلوه بصورة أخرى.