للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهناك أسباب عدة بعثت على هذا التبديل، الأول هو رغبة الكنيسة نفسها، إذ لا ينبغي أن ننسى أن الشيطان شيء خطر، فهو الخبيث، الذي لا هم له غير الإغواء والفتنة، ولا بد إذن من منحه صفات مخيفة راعبة، كي تنقش هذه الصورة الرهيبة في قلوب المؤمنين، فتحفظهم من إغوائه، وتبعدهم من فتنته.

ولا يجهل من جهة ثانية، أن أكثر المشاهد المنحوتة في الكنائس قد استوحيت من الصور أو من القصص الدينية الممثلة في أفنية الكنائس. ففي هذه الأقاصيص يظهر الشيطان محاطا بقناع منحط مزر. فمن هذا الإزراء والانحطاط، استوحى الفنانون تصورهم للشيطان.

وسبب آخر، هو أن الكنيسة كانت تتعمد أن يستخلص الرائي من صورة الشيطان عبرة وعظة؛ فكانت تجبر النحاتين أن يجعلوا الفرق شاسعاً بين الملك والشيطان، مع المحافظة على روح التصاوير البيزنطية.

وفي القرن الثاني عشر، كان الشيطان يصور في أغلب الأحايين كما يلي: شكل إنساني، ذو جسم وفخذين وذراعين. ولكنه تارة ضئيل الجسم كأنه القزم، وتارة بالعكس، عبل القد مستطيل القامة كأنه العملاق. وسواء أكان قزما أم عملاقا، فقد كانوا يجعلونه ذا هامة ضخمة، وعينين جاحظتين واسعتين، وأنف أفطس، وفم غريب الخلقة لا يشبه فم الآدميين، قريب إلى فم الكلب، وأسنان ضخام مخيفات، وشعور منفوشة، قائمة كأنها ألسنة اللهب. وقد اصطلح الفنانون على إلصاق هذه الشعور في رسومهم لكل من له صلة بالشيطان، وخاصة بالنساء.

أما هامة الشيطان فتستدعي الرنو والعجب لضخامتها. وأما جسمه فهو نحيف، والبشرة ذابلة جف ماؤها، ورجلاه وذراعاه عظام لا تكسوها لحم، وتنتهي بأظافر معقوفة جارحة. وعلى هذا الشكل صور الشيطان، في مواساك أوتين فزبلاي.

ويذهب نقتبس منه هذه المعلومات إلى أن الرهبان هم الذين كانوا يختلقون هذه الصورة.

وقد ساعدت القصص الدينية، وما في الإنجيل خاصة، على تمثيل الشيطان، فصوروه تصاوير مختلفات، تمثله مطرودا من الجنة كاسفا حزيناً، أو جالساً في الجحيم على عرش في وسط النار رجلاه على منصة، تدور حدقتا عينيه المخيفتين، أو ساعيا في إغواء

<<  <  ج:
ص:  >  >>