[كلفت فكرا عسرا]
للأستاذ فخري أبو السعود
ما خِلْتُ ذَا الفِككْرِ بالتفكير ينتفع ... كلُّ المذاهبِ إِنْ قلَّبْتَهَا شَرَعُ
كلٌّ له مذهب في العيش يُؤْثِرُهُ ... ولستِ تعلم ما الحُسنى وما البِدَع
كلَّفْتَ فِكْرَك عُسراً إن طمحتَ به ... إلى يقينٍ لديه الريبُ ينقطع
يَمُّ الحياة يُضِلُّ الفكرَ مُلتَطِم ... مِنْ مَوْجِهِ هائلُ الأثباج مُندفع
تَظَلُّ فيه وجوهُ الرَّأي ساهمة ... حَيرى مفرَّقةَّ من حيث تجتمع
لَكَمْ تَفَكَّرْتُ في الدنيا وفي أُمم ... تَفرَّقُوا في فجاج الأرض واصطرعوا
الجبيرُ والشرُّ ما قالوا وما فعلوا ... والنفع والضُّرُّ ما سَنُّوا وما ابتدعوا
يا هل يُراد بهم في أمرهم رَشَدٌ؟ ... أم هل ترى القومَ قد ضلوا بما اتَّبعوا؟
فَشَرَّدَ اللُّبَّ تفكيري وأَجْهَدني ... وما اهتديتُ لأمرٍ فيه مُقْتَنًع
وكلما زدْتُ علماً زدْتُ - وَا أسفي - ... جهلاً، ولم أدْرِ ما آتي وما أدَعُ
فَرُحْتُ أشكو إلى روض الضحى نَصَبي ... فضمَّني منه مُرتادٌ ومُنْتَجَع
ومَرَّ بَرْدُ بنانٍ من نسائمِهِ ... على جبيني فزال الهمُّ والوَجَع
وقال لي الزهرُ: ذا عطري نفحتُ به ... من رام، ليس على من رام يمتنع
وقال لي النهر: ذا مائي النمير به ... - إن رُمْتَ منْتَقَعَاً - للروح منتَقَع
وقال لي الروض: فُزْ بالطيبات ولا ... تحفل بما قاله قومٌ وما اشترعوا
إن رمتَ حقَا فهذا الحسنُ في كَنَفِي ... هو الحقيقةُ لا رَيبٌ ولا خُدَع
مجدَّد النسيج موصول الحُلي أبدا ... يطيب في ظلِّهِ مَشْتى ومُرْ تبَع
وليس يُصلحه قوم إذا رَشَدُوا ... ولن يضيروه - إن ضَلوا - بما صنعوا
يبقى على الدهر مرموقَ السنَى بَهِجاً ... وتنقضي شَيِعٌ في إثرهم شَيِع
فخري أبو السعود