للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الفن المصري القديم]

- ٢ -

قد يكون من بعض الأسباب التي يقوم عليها عذر أولئك المنكرين لفضل الفن المصري على انه أساس الفنون الأخرى، إن الفن المصري هو فن فذ، ذو أسلوب فريد يختلف عن بقية الفنون، يجعله كما يعتقدون - أو يتوهمون - جافا ليس حرا. أو انه فن محلى بحت لقيامه على قواعد وشروط خاصة، أو غير متوافق مع مزاج كل أمة لشذوذ عن المعروف عندها. بخلاف الفن الإغريقي. فهو فن متفق مع جميع الفنون الأخرى في الغرض والأسلوب. أو هو فن دولي، فهو لذلك الفن الجدير الصادق. ولهذا أغضوا عن الفن المصري القديم، وقام في أعينهم مكانه الفن الإغريقي كأساس لكل فنون العالم، وذهبت هذه الفكرة الواهية بمعالم الحقيقة.

وسأحاول أن أدافع عن هذه الحقيقة، وأقاوم تلك الفكرة التي لا ينبغي أن تلبس العقول. وقد أتمنى أن أوفق لإثبات الجدارة للفن المصري القديم، وللتدليل على انه الاساس، إن لم يكن لكل تلك الأساليب من الفن التي يبهر بها الغربيون أعيننا الآن، فلا اقل من أن يكون صاحب الفضل على جميع أقوام العالم في تدريبهم على كيفية رسم المجسات وعلاج الألوان. أو أن يكون قد وضع النموذج المبدئي في كيف ترسم اليد جسم الإنسان رسما صحيحا، وكيف تتقن تصوير أعضائه وتمثيل عضلاته. ثم كيف بعد ذلك ينتخب ذوق الإنسان الألوان التي تنساق وتتفق تحت العين.

ارتباط الفن بالدين

ان فنون العالم، وقد بدأت كلها حياتها في خدمة الديانات، وفي تحقيق أغراضها المختلفة تدرجت الحال بها كلما تقربت الأمة إلى فهم معاني الجمال، وتوغلت في أساليب المدنية إلى طرح التقاليد الدينية جانبا. وتخطتها إلى التعبير عن الأغراض الدنيوية، والكشف عن أسرار الطبيعة بما فيها من جمال وروعة. فاتفقت كلها على أن تعطينا أخيراً تلك الخلاصة البارعة فيما نتمتع به اليوم من مبدعات الفن.

إلا الفن المصري القديم. فانه ظل للديانة المصرية خادما أميناً، محافظاً على غايته وأغراضه مدى الخمسين قرنا الطويلة التي عاشها في التاريخ ولم يخن عهوده يوما ما، ولم

<<  <  ج:
ص:  >  >>