. . . قد يسال بعض الناس: ما فائدة الأزهر، أو ما هي رسالة الأزهر كما يقال اليوم؟ فأقول لهؤلاء: رسالة الأزهر هي حمل رسالة الإسلام. ومتى عرفت رسالة الإسلام عرفت رسالة الأزهر
الإسلام دين جاء لتهذيب البشر ورفع مستوى الإنسانية والسمو بالنفوس إلى أرفع درجات العز والكرامة. قد طوح بالوسطاء بين الناس وربهم، وصل بين العبد وبه. ولم يجعل لأحد فضلاً على أحد إلا بالتقوى، وقدس العلم والعلماء، وقرر في غير لبس ما يليق بذات الخالق من الصفات. وما قرره في ذلك هو منتهى ما سمت إليه الحكمة، ووصل إليه العقل. وفرض عبارات كلها ترجع إلى تهذيب النفس، وتلطيف الوجدان، وأبان أصول الأخلاق، وقرر التمتع بالطيبات ولم يحرف إلا الخبائث، ووضع حدوداً تحد من طغيان النفوس ونزوات الشهوات، ووضع أصول النظم الاجتماعية وأصول القوانين: قواعد كلها لخير البشر وسعادة المجتمع الإنساني
هذه صورة مصغرة جداً للدين الإسلامي، ورسالة الأزهر هي بيان الدين الإسلامي، وشرح قواعده وأسراره، ومتى أدى هذه الرسالة على وجهها فقد أدى نصيباً عظيماً من السعادة والخير للجمعية الإنسانية
في القرآن الكريم حث شديد على العلم، وعلى معرفة الله وعلى تدبر ما في الكون، وليس هناك علم يخرج موضعه عن الخالق والمخلوق. فالدين الإسلامي يحث على تعلم جميع المعارف الحق. وليس في المعارف الصحيحة المستقرة شيءٌ ممكن أن يناقض أصول الدين ويهدمها
نعم قد توجد معارف تناقض بعض ما وضعه العلماء في شرح القرآن والحديث والفقه وغير ذلك، ولكن لا نهتم لهذا. فليس العلم في طريقه، ولنصحح معارف الماضين، لكن على شريطة أن يكون ما يخالف معارفنا من العلم البرهاني المستقر
ولست أقصد بحديثي هذا أن يكون الأزهر مدرسة طب أو هندسة، أو كلية للكيمياء أو ما يشابه هذا: ولكني أعني إن هناك علوماً ومعارف لها صلة بالدين وثيقة، تعين على فهمه،