أحسنت الحكومة صنعاً باستقدام بعض الفنانين البارزين من فرنسا لمحاضرة طلاب الفنون الجميلة العليا والتحدث إلى أساتذتهم ومبادلتهم الرأي في نواحي الفنون المختلفة، كما أحسنت كل الإحسان بإقامة معرض كبير حوى الكثير من صفوة أعمالهم بالسراي الكبرى بأرض الجمعية الزراعية، بلغ من أهميته أن حظي بزيارة ملكية.
ومع أن الإقبال عليه كان كبيراً لحد ما، إلا أن الكثرة من الطبقة المثقفة لم تستمتع به أو تفد منه شيئاً، وذلك لأن القائمين بأمره لم يعلنوا عنه الإعلان الكافي بالصحافة العربية أو بواسطة الإذاعة. ومن الناحية الأخرى أهملته تلك الصحافة إهمالاً معيباً كأن لم يقم معرض خطير للفن الحديث في القاهرة أنفقت عليه الحكومة بسخاء وأولته الصحف الأجنبية بعض العناية. وكأن لا أثر لمثل هذا المعرض القيم في تثقيف عقول الناس وإشباع نفوسهم بجمال الفن!
كانت معروضات الفنانين السبعة رائعة تسترعي الأنظار بطرافتها وقوتها، ولا يسعنا إلا إحناء رؤوسنا إعجاباً بأعمالهم واحتراماً لنبوغهم جميعاً.
غير أن واحداً منهم كان مبرزاً في الحلبة يسطع فنه بأقوى مما يقع على جانبيه من أضواء ساحرة، كان يستوقف جمهرة الزائرين لأطول وقت، ويشدههم بجمال فنه وينتزع منهم أضخم عبارات الإعجاب والإطراء - استغفر الله - بل أنهم كانوا يخلعونها عليه جزافاً سماحاً. ذلكم هو جان ما يودون الخزاف العالمي الفذ الذي مكنته إدارته الفنية لمصانع سفر الشهيرة لمدة ثلاثين عاماً أو أكثر من أن يقف على أدق أسرار هذه الصناعة قديمها وحديثها، وأن يخلق لنفسه طريقة فنية رائعة.
بجد المشاهد نفسه أمام فن جديد ذي طابع خاص، أهم مظاهره جمال عظيم في أشكال الزهريات والقوارير والصحون التي صممت بعناية فائقة وذوق سليم حتى ليكفي أن تؤثر في النفوس بجمالها الذاتي خالية من النقوش والألوان، ثم جمال ألوانها وانسجامها انسجاماً شعرياً عذباً، مع الذهب خالصاً في بعض الحالات أو مختلطاً قليلا أو كثيراً بتلك الألوان.