أما الرسوم التي عليها، فإما هي حيوانات زخرفية أشبه بغزلان راكضة، وإما هي أُناسي من نسيج الخيال أو من عالم الأساطير، غير أنه لا توجد أسطورة ما ممثلة، أنها لا تعني شيئاً ما بل هي مجرد أخيلة يستعين بها الفنان على إيجاد حركات جميلة أو مجموعة متناسقة من الألوان. وهو في هذه الرسوم متأثر بالفن الإغريقي لحد كبير؛ وفي بعضها يلمس المشاهد أثر ميكائيل أنجلو.
ثم أن لكل قطعة (شخصيتها) وسحرها الخاص حتى ليصعب على المرء أن يختار لنفسه واحدة منها، ويود لو يراها مجتمعة كمجموعة من الدرر الغوالي، ويكره أن ينفرط عقدها، كما أن كل واحدة منها تمثل فن (ما يودون) وتظهر خصائصه بكل وضوح، مطبوعة بطابع ذوقه الرفيع.
وبينما كنت أستمتع مرة بمشاهد معروضاته إذ قدمني إليه صديقي الأستاذ المصور أحمد صبري، فراعتني أناقته المعجبة، وقامته المديدة، وأكتافه العريضة، رأسه الكبير المكلل بشعر أشيب رتيب، وعيناه اللامعتان الفاحصتان. رما كدنا نشقق الحديث حتى بدت منه روح مرحة وحماسة فياضة ونفس إنسانية عظيمة مخلصة، شغفت بالحب والجمال، ثم تواضع عجيب هم من خلق العباقرة القادرين. سألته أ، يحدثني عن فنه فقال:
أستعمل في عجائني الطين النقي والسليبس والطباشير والزجاج. والأخيران يجعلان لأوعيتي صلابة ورنيناً. وأستعمل من الألوان أكاسيد معادن الحديد والنحاس والكروم والمنجنيز والفضة والرصاص. ثم أني أستعمل الذهب مخلوطاً مع أكسيدي الزئبق والبزموت. والحق يقال أنني متأثر إلى حد كبير بتلك المواد التي كان الفرس والعرب يستعملونها في أعمالهم.
إنني أجهز تلك المواد بنفسي، لا مساعد لي في ذلك. أحضر العجائن وأسوي منها الأوعية على أشكال شتى ثم أتركها على الأرفف لتجف، وبعد ذلك أحرقها على درجة عالية من الحرارة (١٠٥٠مئوية) فتكتسب صلابة كافية وتصير صالحة للعمل عليها في الخطوات التالية. . وفي كل صباح يصحبني كلبي العزيز ونجول معاً هنيهة في حديقتي الجميلة، تذهب بعدها إلى المصنع الواقع وراء تلك الحديقة، فألقي نظرة خاطفة على الأوعية فيروقني أخذها فأنتزعه من مكانه وأرسم عليه بالقلم الرصاص رسماً ما من غير سابق