للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تحضير أو دراسة، فاجعله حيواناً أو إنساناً أو شبيهاً بهما، حسبما يتفق مع طبيعة الوعاء وقد أزيد عليه أو أنقص منه؛ فإذا ما راقني الرسم وضعت لون الخلفية، ثم أدخلته النار وحرقته على درجة الحرارة العالية المذكورة لمدة معينة، ثم أخرجه بعدها حتى يبرد، ثم أضع عليه ألوان المرسوم التي أتخيرها بعناية وأدخله النار مرة أخرى. وبعد ذلك أضع الذهب. وقد يدعوني الحال إلى إحراق الوعاء مرتين أو ثلاثا بل وست مرات حتى يكون بعدها كاملا. وأحياناً لا يعجبني رسم أو لون ما فأغيره وأعيده إلى النار. وهنا سألته عما يعني برسومه - وقد حيرني أمرها - أهي موضوعات من القصص الإغريقي أو غيره؟ فأجاب بالنفي قائلا: (إنها لمجرد الزخرفة) وإيجاد التآلف والتوازن ليس إلا. فيعطيها من الألوان الخلفية ويجعل المجموعة كلها جميلة تطرب العين والفؤاد معاً. ثم إنه وافقني على ما لاحظته من تأثره بالفن الإغريقي، وبفن مايكل أنجلو الذي كان يعكف على دراسته، وبالفن الفرنسي الذي كان سائداً في عصر لويس الرابع عشر، إلى أن قال: (ولكني أحاول أن أتحرر منها تدريجياً، وأختط لنفسي فناً خاصاً).

وبعد أن حدثني عما شاهده من الفن المصري القديم خصائصه وروائعه سألته عما تركه ذلك الفن في نفسه من أثر. وهنا حدجني بنظرة عميقة ثم اندفع يقول في حماسة ممزوجة بمرارة وألم: (كنت أظن أنني أوفيت على الغاية؛ ولكني اليوم أشعر بأنني قزم إلى جانب الفنان المصري القديم الذي يبرز الجمال بقوة، بسيطاً هادئاً، لا تكلف فيه ولا إجهاد. أصبحت أرى ضآلة عملي وتفاهته بجانب تلك الأعمال الجليلة الرائعة. إن كل هذا (مشيراً بيده إلى قطعه الجميلة) هراء معقد لا غناء فيه. لسوف أقلع عن كل ذلك. آه! لقد بدأت أفهم الآن، والآن فقط بعد أن بلغت الخامسة والخمسين، ولم يبق من العمر إلا أقله، ومن الجهد إلا أضأله. لشد ما يؤلمني ذلك! إن أخوف ما أخافه أن لا يسعفني الأجل بتحقيق ما تصبو إليه نفسي وما ينفجر به خيالي الآن. عندما أعود إلى باريس سوف أكب على العمل بهمة زائدة وأحاول أن أخرج فناً بسيطاً جميلاً حلواً. سأحاول أن أخرج بعض ما تعلمته وشاهدته هنا؛ وسيكون في ذلك نقطة التحول الهائلة في حياتي الفنية التي أوشكت على الأفول).

- وما رأيك في مستقبل فن الخزف بمصر؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>