للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من ذكريات الماضي]

خطرات الشك في صدور الشباب

للأستاذ الشيخ مصطفى عبد الرازق بك

أستاذ الفلسفة بكلية الآداب

قضيت صدر النهار في خمول من أثر البرد الذي نالني وكدت آوي إلى مضجعي مريضاً، ولكنني طاردت الضعف وتكلفت القوة واشتغلت ساعة مع زميل لي فرنسي، ثم اشتغلت من بعده وحدي.

وزارني بعد الظهر ثلاثة من أصدقائي المصريين فقطعنا زمناً في الحديث والسمر، وذهب عني شيء من الفتور فنهضت للخروج معهم. على أن الطقس كان ذا رطوبة وإن لم يكن كثير البرودة. وانصرف اثنان منهم وبقي ثالثهم معي فقال: إني سأحدثك بأمر عقيدتي لتعلم موطن القوة والضعف منها. أما الإيمان بالله فقد وصل عندي إلى حد الإذعان الذي لا تزلزله ريبة؛ وأما الرسل فما أراهم إلا رجالاً من صفوة أممهم وُهبوا أنفساً كبيرة، وعقولاً راجحة، فعملوا على إسعاد الناس وتقريبهم من الخير، ووضعوا لذلك قوانين هُدوا إليها كما يهتدي الحكماء إلى وضع قواعد لإصلاح المجتمع الإنساني أو إلى كشف ما خفي عن غيرهم من أسرار الكون

ولما رسخ في يقينهم أن ما وصلت عقولهم الصافية إليه هو الحق، قالوا إنه من الله وسموه وحياً؛ وكأنما قولهم هذا من باب ثقة العالم بعلمه، ولكنه لا يجعل آراءهم وما جاءوا به بنجوة من تمحيص العقول، ولا يمنحهم من الثقة فوق ما يكون لإخوانهم الحكماء المصلحين في كل زمان

سمعت قوله كله بإصغاء تام ولم أقطع عليه الطريق في حديثه ولا أظهرت له إنكارا، ولم ييئسني عدوله عما أعتقده الحق من عدوله إليه، ذلك بأنه يتكلم بروية، ويعبر عما في نفسه، ويدلي بالحجة القائمة عنده؛ ومن كان هكذا عظم الرجاء في عرفانه للحق إذا سطع له برهانه

أخذت أولاً في اختبار إيمانه بالله لأذهب به من طريق الترتيب الطبيعي فوجدته لا يخالف

<<  <  ج:
ص:  >  >>